كشفت الأوبئة والتغيرات المناخية التي ضربت العالم خلال السنوات الماضية ولا تزال تداعياتها مستمرة، عن فجوات واسعة بين الطبقات الاجتماعية في دول عدة، وفي ظل موجات الحرارة التي سجلت أرقاماً قياسية وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ازدادت تلك الفجوة اتساعاً وهو ما بدى جلياً في الفترة الأخيرة التي يعيش فيها الأغنياء حياة رفاهية، بينما يعاني الفقراء.
لم تثر موجة الحر التي أثرت في جزء كبير من جنوب غرب وجنوب الولايات المتحدة - بما في ذلك درجات الحرارة القياسية في فينيكس - جدلاً حول السرعة التي يتحرك بها الاحترار العالمي فحسب، بل ألقت الضوء أيضاً على اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكيف أصبحت درجات الحرارة المرتفعة إحدى الطرق العديدة التي يواجه بها الفقراء والأقليات أعباء بيئية أكبر.
يكمن أحد أكبر التفاوتات في جودة البنية التحتية، إذ غالباً ما تفتخر الأحياء الثرية بالمباني المقاومة للمناخ، وأنظمة تكييف الهواء الفعالة، والأماكن العامة المظللة، مما يساعد على منع آثار موجة الحرارة. في المقابل، قد تفتقر المجتمعات الفقيرة إلى مرافق العزل والتبريد المناسبة، مما يجعلها عرضة لدرجات الحرارة القصوى، ما يتسبب في أمراض مرتبطة بالحرارة وحتى الوفيات.
"الفقراء يشعرون بدرجات حرارة أعلى"
أظهرت دراسة، أجراها باحثو جامعة كاليفورنيا-سان دييغو، أن السكان ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات الملونة في الولايات المتحدة يتعرضون لدرجات حرارة أعلى بكثير وأكثر خطورة من الأشخاص الذين يعيشون في أحياء أكثر ثراءً وأكثر بياضاً في المدينة.
من المعروف أن المناطق الحضرية أكثر سخونة من المناطق الريفية، لكن البحث الذي نُشر صيف عام 2021 في مجلة "Earth's Future"، يقدم واحدة من أكثر النظرات تفصيلاً حتى الآن حول كيفية تفكك الاختلافات في درجات الحرارة القصوى على طول الخطوط العرقية والاجتماعية والاقتصادية.
استخدم الباحثون بيانات التعداد وقاسوا درجة حرارة سطح الأرض باستخدام صور الأقمار الصناعية وركزوا على 1056 مقاطعة تضم حوالي 300 مليون أمريكي. ووجدوا أنه في أكثر من 70% من تلك المقاطعات، الأحياء التي بها عدد أكبر من الأشخاص الملونين وذوي الدخل المنخفض ، "تعاني بشكل ملحوظ من حرارة سطحية شديدة التطرف من نظيراتها الأكثر ثراءً وأكثر بياضاً"، حسب ما نقل موقع أكسيوس.
ووجدت الدراسة أنه في المناطق التي ترتفع فيها معدلات الفقر، يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 4 درجات مئوية، وهي أكثر احتراراً خلال أشهر الصيف مقارنة بالأحياء الأكثر ثراءً. وينطبق الشيء نفسه على الأمريكيين الذين يعيشون في مجتمعات الأقليات عند مقارنتهم بنظرائهم البيض من غير اللاتينيين.
قال الباحثون إن عدة أسباب تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأحياء، بما في ذلك المزيد من المباني، وقلة الغطاء النباتي وبدرجة أقل، زيادة الكثافة السكانية. كما أظهرت الدراسات السابقة أن عوامل مثل قلة الغطاء النباتي يمكن أن تؤثر في درجة حرارة المدينة، وعادة ما يكون للأحياء التي بها عدد أكبر من الأشخاص الملونين وذوي الدخل المنخفض غطاء شجري أقل، حسب ما نقل موقع إن بي آر الأمريكي.
تغيُر مناخي مصحوب بانقسام اجتماعي
أصبحت موجات الحر أكثر تواتراً وشدة بسبب تغير المناخ، مما يشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة والرفاهية. وفي حين تكشف الكوارث مراراً وتكراراً أوجه عدم المساواة القائمة بطريقة قاسية، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.
في العديد من البلدان، أطاحت الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء التي نشأت منذ الثمانينيات من القرن الماضي بنظرية "كوزنتس" التي كانت شائعة سابقاً، والتي تنص على أن قوى السوق ستقلل في النهاية من عدم المساواة مع تطور الاقتصادات. علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أن المستويات العالية من عدم المساواة في الدخل داخل البلدان يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الخسائر البشرية من المخاطر الطبيعية.
ويشير مصطلح عدم المساواة الاقتصادية إلى التوزيع غير المتكافئ للدخل والثروة داخل المجتمعات وعبرها. ومع ذلك، فمن الواضح أن عواقب الحرارة الشديدة لا يتم الشعور بها بشكل متساو بين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
وتميل المناطق الغنية ذات البنية التحتية جيدة التصميم والوصول إلى الموارد، إلى البقاء معزولة نسبياً عن أسوأ آثار لموجة الحر، في حين تُترك المجتمعات الضعيفة للتصدي لآثارها المدمرة.
من جهتها، قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة جينيفر آن بورني لموقع أكسيوس: "هذه الأنواع من التفاوتات الحرارية الحضرية تهدد الوظائف المستقبلية لمدننا، ستشعر الأحياء الأكثر سخونة بتأثيرات صحية أكثر، وستتطلب المزيد من الطاقة الكهربائية للتبريد، وما إلى ذلك".
وأضاف بورني: "من المتوقع أن يؤدي الظلم البيئي الحالي هنا إلى مظالم بيئية في المستقبل لأن الحرارة ضارة جداً بصحتنا وإنتاجيتنا".
ويوصي الخبراء بأنه لمكافحة بعض الأسباب الجذرية للتفاوتات الحرارية الحضرية في المستقبل، سيتعين على صانعي السياسات التركيز على المناطق الأصغر. كذلك سيتعين عليهم أن يدعوا لخطة شاملة لزراعة الأشجار التي بدورها تبرد الهواء حيث يتبخر الماء من الأوراق، وفقاً لما نقلته نيويورك تايمز.