غزة، الشريط الصغير من الأرض المحاصَر بين إسرائيل ومصر، هي مسرح لأحداث مأساوية تتكرر كل فترة. في حرب "طوفان الأقصى"، التي اندلعت في 7/10/2023، تعرضت غزة لقصف عنيف من الجيش الإسرائيلي، استهدف مباني حكومية وإعلامية ومدنية، وأدى إلى مقتل الآلاف من أبنائها وإبادة عوائل كاملة، بالإضافة إلى تدمير معالمها ومشافيها وحاراتها أيضاً.
نبذة عن مدينة غزة
غزة، مدينة التاريخ والصمود، تمتد على شاطئ البحر المتوسط، تلك المدينة الفلسطينية التي تزخر بالحياة والمقاومة، رغم الضيق والكثافة، تشهد على مجد فلسطين، وتحتضن كثيراً من مؤسساتها.
تعود أصول مدينة غزة إلى الكنعانيين قبل ثلاثة آلاف سنة، إذ شهدت الكثير من الاحتلالات والغزوات، وصمدت في وجهها، كما أصبحت إسلامية في القرن السابع الميلادي.
تعرضت غزة للكثير من التحولات في القرن الماضي، كانت تحت الانتداب البريطاني، ثم صارت تحت إدارة مصرية، ثم احتلتها إسرائيل، ثم بعدها حصلت على حكم ذاتي فلسطيني، وذلك بعد اتفاقية أوسلو، ثم وقعت في صراع بين فتح وحماس، وأصبحت تحت حصار شديد من إسرائيل ومصر، ويعد اقتصادها متضرراً جداً جراء الحصار والحروب، لكنها بقيت غزة المدينة التي لا تستسلم، تواصل الكفاح والمقاومة.
تاريخ معاناة غزة مع الاحتلال
في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصبحت غزة تحت سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين، وعام 1947، قسمت الأمم المتحدة فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، وخصصت غزة للدولة العربية، لكنها سقطت في أيدي الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1948، التي أجبرت مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار إلى قطاع غزة.
عام 1956، هاجمت إسرائيل غزة، بمساعدة بريطانيا وفرنسا، في محاولة للاستيلاء على سيناء التابعة لمصر، وبضغط من المجتمع الدولي، انسحبت إسرائيل من غزة، لكنها فرضت حصاراً على القطاع.
وفي حرب 1967، احتلت إسرائيل غزة مرة أخرى، وجعلت سكانها يخضعون للقانون العسكري، ثم عام 1979، وقَّعت إسرائيل اتفاقية سلام مع مصر، التي استردت سلطانها على سيناء، دون أن تشمل غزة.
وعام 1987، انطلقت انتفاضة شعبية في غزة والضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشاركت فيها فصائل وحركات فلسطينية مختلفة، وعام 1993، أبرمت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو، التي أقامت سلطة فلسطينية انتقالية في غزة والضفة الغربية.
ثم عام 2005، انسحبت إسرائيل من غزة بشكل أحادي، وأخْلت جميع المستوطنات والجنود الإسرائيليين منها، لكنها استمرت في التحكم في حدود غزة وأجوائها ومياهها، وشددت حصارها على القطاع.
وعام 2006، حققت حركة حماس الإسلامية فوزاً كبيراً في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وشكلت حكومة بزعامة إسماعيل هنية، وهذا ما أدى إلى تفاقم الخلاف بين حماس وحركة فتح، التي كانت تقود السلطة الفلسطينية. وعام 2007، اندلعت اشتباكات دامية بين الحركتين في غزة، انتهت بطرد فتح والسيطرة الحصرية لحركة حماس على القطاع.
ومؤخراً، وفي ساعات الفجر من يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في العملية مقاتلون من كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، بالإضافة إلى فصائل أخرى من المقاومة، وتضمنت العملية هجوماً شاملاً على مستوطنات غلاف غزة من جميع الجهات: براً وبحراً وجواً.
وأعلن عن انطلاق العملية في رسالة صوتية لقائد الأركان في كتائب القسام، محمد الضيف، الذي وصفها بأنها "أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود"، كما أشار إلى أن المقاومة استهدفت مواقع عسكرية ومدنية للعدو بأكثر من 5 آلاف صاروخ وقذيفة في أول 20 دقيقة من بدء العملية.
وأكد محمد الضيف أن "الهدف من هذه المعركة هو إنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض"، وحثّ جميع فئات الشعب الفلسطيني في المحافظات كافة على الانخراط في هذه الحرب بكل ما تستطيع من أسلحة نارية وبيضاء، كما دعا إلى تضامن شعوب المنطقة والأمة مع المقاومة بالخروج في مظاهرات وإضرابات، والضغط على حكوماتهم لدعم قضية فلسطين التي تخص العالم الإسلامي أجمع.
من جانبه، قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، إن "المجاهدين في قطاع غزة خرجوا في عملية واسعة للدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الأسرى"، مشيراً إلى أن المعركة تستجيب لجرائم الاحتلال المستمرة، وحثّ سكان الضفة الغربية على المشاركة في المعركة بالتصدي للمستوطنات، قائلاً إن "الضفة هي رافد رئيسيّ لهذه المعركة".
كما جرى اختيار اسم "طوفان الأقصى" للعملية إظهاراً لحجم الغضب الفلسطيني من الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة.
لم تترك إسرائيل غزة دون رد، فقد أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بياناً مصوراً، قال فيه إن "إسرائيل تواجه حرباً"، وإن "حماس ارتكبت عملاً إرهابياً مفاجئاً ضد دولة إسرائيل وشعبها"، وحذر ما أطلق عليه "العدو" من أنه "سيدفع ثمناً باهظاً لم يشهده من قبل".
وكجزء من عملية عسكرية سُميت "السيوف الحديدية"، شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية وصاروخية على أهداف مختلفة في قطاع غزة، رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية.
كما أدى القصف الإسرائيلي المستمر إلى مقتل نحو 4000 فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 13 ألفاً آخرين، وفقاً للمصادر الطبية الفلسطينية.
شهداء غزة جراء حروبها مع الاحتلال
أشد ما لاقته غزة عذاباً هو فقدانها أبناءها الذين باتوا شهداء يُعطر دمهم أرجاءها، حيث لا يزال قطاع غزة يتعرض للقصف الإسرائيلي المتواصل والمدمر، وتستمر المقاومة في إطلاق صواريخها على تل أبيب والمستوطنات المحيطة بغزة، محققةً إصابات وأضراراً في صفوف العدو.
وفي مؤتمر صحفي عُقد يوم 20/10/2023، اتهم المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور أشرف القدرة، جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب 37 مجزرة خلال اليوم الذي يسبقه، راح ضحيتها 352 شهيداً و669 مصاباً، من بينهم 16 مسيحياً فلسطينياً لقوا حتفهم في قصف مباشر لكنيسة الروم الأرثوذكس في غزة.
وأوضح أن الكنيسة التي تعود للقديس برفيريوس هي أقدم كنيسة في قطاع غزة، وتقع بالقرب من مستشفى المعمداني الذي تعرض لمجزرة إسرائيلية كبيرة خلّفت نحو 500 شهيد. وأضاف أن الكنيسة كانت ملاذاً للنازحين من الأماكن المقدسة التي لم يبالِ بها الاحتلال.
وانتقد د.أشرف "الشهية المفتوحة للإبادة والتطهير العرقي" التي يُظهرها الاحتلال في استهداف كل ما هو غير يهودي، وطالب بضرورة تدخل المجتمع الدولي لحماية المستشفيات والمؤسسات الصحية، وإدخال المواد الطبية إلى غزة.
كما أشار إلى أن 7 مستشفيات في قطاع غزة خرجت عن الخدمة جراء العدوان.