العالم
7 دقيقة قراءة
الطوعي بدلاً من القسري.. خطط اليمين الإسرائيلي الملتوية لتهجير سكان غزة
جاء هذا الطرح في أعقاب فشل مشروع التهجير القسري بشكله الصارخ، بعد أن أعلنت مصر رسميّاً رفضها استقبال الفلسطينيين في سيناء،، لذا فقد اتجه اليمين إلى اختلاق مسألة التهجير الطوعي
الطوعي بدلاً من القسري.. خطط اليمين الإسرائيلي الملتوية لتهجير سكان غزة
نزح الجزء الأكبر من سكان غزة عن أماكن سكنهم بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع / صورة: Reuters
19 فبراير 2024

تكمن مغالطة منطقية في محاولة قراءة سياسات إسرائيل بمعزل عن السياق التاريخي لها باعتبارها مكوناً إمبرياليّاً نشأ وتبلور بناءً يتألف من جُملة مفاهيم تشكِّل ركائز لهويته الإمبريالية، التي بدورها تتجسّد في معالم بيّنة تتنوع بين الإحلال السكاني والطرد والإبادة الجماعية، والأبارتايد/الفصل العنصري والترانسفير/الترحيل، التي كلها معانٍ عصرية تشكل طابع الهوية الإمبريالية.

ولفرادتها الاستعمارية أضافت إسرائيل إلى تلك المعاني أبعاداً أخرى، تمثلت في محاولة فرض سياق سياسي وتاريخي للوجود الفلسطيني من خلال إخضاعه عسكريّاً وتقسيمه، ومحاولة فصله هُوياتيّاً ووجدانيّاً، فمنذ تأسيسها مثَّل الوجود الفلسطيني العقدة الأكثر تحدياً للمشروع الصهيوني في فلسطين، وقد دأبت إسرائيل على توظيف التجارب المعاصرة كافة لتصفية هذا الوجود.

ومع نزع المجتمع الإسرائيلي خلال العقد الأخير نحو أقصى اليمين، وما نجم عنه من هيمنة اليمين على السلطة، فقد تجسدت هذه التوجهات بملامح أكثر جدية وعمقاً في مشاريع وأطروحات إستراتيجية وتصريحات وسياسات.

"تهجير طوعي"

قد تسابقت نخب اليمين على تصميم تصورات مبتكرة لتطهير هذا الوجود عبر برامج عدة، مثل دعوات زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، المتكررة لتنفيذ إجراء الترانسفير بحق فلسطينيي الداخل، مروراً بتعبير الوزير المتطرف، بتسئيليل سموتريتش، في وقت سابق عن رغبته في طرد سكان الضفة وضمها إلى إسرائيل كُليّاً، وصولاً إلى طرح وزير التراث بالحكومة، عميحاي إلياهو، إلقاء قنبلة نووية على غزة باعتباره حلّاً ممكناً.

وكان آخر ما ابتدعته النخب اليمينية الإسرائيلية هو مفهوم "التهجير الطوعي"، وذلك في خضم الحرب الدائرة ضد قطاع غزة، فقد صرح وزير الأمن القومي بالحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير، بأنه "يجب احتلال قطاع غزة والبقاء داخله وتشجيع الهجرة الطوعية لسكانه، وإذا حسمنا الحرب فسيكون ذلك عمليّاً".

وإذا استثنيا تصريح بن غفير كونه معروفاً بتصريحاته العشوائية، فتمكن الإحالة إلى ما أوردته صحيفة "إسرائيل هيوم"، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ناقش خلال جلسة مغلقة بالكنيست "تحقيق الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى"، ونقلت الصحيفة عن نتنياهو قوله: "مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل على حلها".

فيما ردّ عضو الكنيست من حزب الليكود، داني دانون، على نتنياهو وقال إن "العالم يناقش هذا الأمر بالفعل، وزير الهجرة الكندي (مارك ميلر) تحدث عن هذه الأمور علناً، وكذلك فعلت نيكي هيلي (مرشحة جمهورية محتملة للرئاسة الأمريكية). يجب علينا تشكيل فريق في دولة إسرائيل يعتني بهذه القضية ويتأكد من أن كل مَن يريد مغادرة غزة إلى دولة ثالثة، يمكنه القيام بذلك، يجب أن يكون هذا منظماً، لما له من أهمية إستراتيجية لليوم التالي للحرب"، وحسب الصحيفة، فإن نتنياهو رد على دانون قائلاً: "نحن نعمل على ذلك".

تنبغي الإشارة هنا إلى أن صحيفة "إسرائيل هيوم" تابعة بشكل شخصي لنتنياهو، وتعبر عن توجهاته وتصوراته وتخضع لرقابة مكتبه، بما يعني أن نشر مداولات الجلسة وما ورد فيها من تصورات، تتم بموافقة وغطاء منه، وعليه فإن طرح "التهجير الطوعي" ليس محض تصريحات شعبوية لقادة اليمين المتطرفين، بل هو تفكير جدّي يتبناه اليمين برمته.

كذلك دعت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، غيلا غملئيل، إلى "تشجيع إعادة التوطين الطوعي لفلسطينيين من غزة خارج القطاع، لأسباب إنسانية"، أما وزير الشؤون الإستراتيجية رون دريمر، فقد أوضح أن إسرائيل تدرس إمكانية تشجيع الهجرة الطوعية من غزة.

ودعا وزير المالية، سموتريتش، الغزيين إلى مغادرة القطاع "لإفساح المجال أمام الإسرائيليين الذين يمكنهم تحويل الصحراء إلى أودية مزدهرة"، وقال سموتريتش إن "ما يتعين فعله في قطاع غزة هو تشجيع الهجرة... إذا وُجد 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليوني عربي، فإن المناقشة المتعلقة باليوم التالي ستكون مختلفة تماماً".

وجدد سموتريتش طرحه في وقت لاحق خلال حديثه للقناة 14 الإسرائيلية، وقال: "أنا أتصرف وفقاً لقواعد القانون الدولي، ولا أقوم بطرد أي شخص من المنزل بالقوة، ولكنني أقول إن جزءاً كبيراً من سكان غزة يريدون الخروج من هناك".

لماذا لجؤوا إلى هذا الطرح؟

جاء هذا الطرح في أعقاب فشل مشروع التهجير القسري بشكله الصارخ، بعد أن أعلنت مصر رسميّاً رفضها استقبال الفلسطينيين في سيناء، وكذلك أبدت الدول العربية والغربية على السواء رفض هذا الأمر، لذا فقد اتجه اليمين إلى اختلاق مسألة التهجير الطوعي لتحقيق هدفين، الأول منحه شرعية دولية، على اعتبار أن مبدأ التهجير الطوعي لا يتعارض من الناحية الشكلية مع القانون الدولي.

أما الهدف الثاني فيتعلق بالشرعية التاريخية، التي هي عنصر مركزي في السردية الصهيونية، فكما قدّمت الرواية الصهيونية طرحها عام 1948 بأن الفلسطينيين تخلَّوا عن أرضهم بالهجرة أو البيع، تحاول أن تعيد تقديم ذات الرواية بسياق عصري ومفاد واحد هو أن الفلسطينيين تركوا أرضهم وهاجروا، وهو ما يعني انفراط تجذر وعيهم بالحق في هذه الأرض، بما يُفضي إلى أحقية إسرائيل بها.

آفاق موصدة

أفشل الشعب الفلسطيني هذه التوجهات عبر التمسك بأرضه، وكان أوضح ما عبّر عن ذلك نماذج البقاء في مناطق القصف والتصعيد، واستمرار المقاومة العسكرية بعد أكثر من 130 يوماً.

أما عالميّاً، فإن المجتمع الدولي يرفض هذا الطرح لأسباب عدّة، بداية لكونه يتنافى مع تصوراته لتسوية الصراع، ورغم الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة، وتوفير غطاء سياسي وعسكري غير مسبوق لها، فإن مبدأ تهجير الفلسطينيين لا يناسب التصور الأمريكي للقضية الفلسطينية، وهو القائم على بلورة مشروع تسوية سياسي، ومع أن أمريكا سمحت لإسرائيل بتقويض هذا المسار عمليّاً، لا تريد أن تهدمه بالكامل، وكذلك تشاطر الدولُ الأوروبية الولاياتِ المتحدة هذه الرؤية.

كما أن هذا الطرح لا يتلاءم مع مقتضيات الصورة الأخلاقية التي تحاول الدول إظهارها، وتعد ركيزة لشرعيتها الدولية، فعلى سبيل المثال أدان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بشدة التصريحات "غير المسؤولة والاستفزازية" لوزيرَيْن إسرائيليَّين دعيا إلى تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة.

وأخيراً، فإن الدول الإقليمية مثل مصر والأردن لا يريدان تحمل مسؤولية تهجير مليونَي فلسطيني إليهما، إذ ينطوي انتقالهم إلى هذه البلدان على أعباء أمنية وسياسية وأخلاقية لهذه الدول، خصوصاً أن لدى الدول العربية تجارب صعبة إبان عملية تهجير الفلسطينيين إليها بعد النكبة.

مرة أخرى يظهر أن الخيال الإسرائيلي يغرق في تصورات حالمة تقبع في ماضيه الاستعماري، لا في مستقبل تثبت له غزة أنه بعيد عن تحقيق نصر نوعي يحفظ له هيبته، فضلاً عن تحقيق تطلعات تجاوزها الزمن.

مع ذلك، فإن هذه الأزمة كشفت أن اليمين لا ينفك عن التفكير في تصفية الوجود الفلسطيني، مستغلاً أي فرصة، سواء تمثلت في الحرب أو المسارات الدبلوماسية، وأن الفشل المرتقب لفكرة الهجرة الطوعية لن يلجم اليمين عن التفكير في أطروحات أخرى.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
"تلتزم تحقيق السلام مع لبنان".. المبعوث الأمريكي يدافع عن إسرائيل رغم اعتداءاتها المتواصلة
البرغوثي: نواجه مخططات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.. وأمريكا تواصل انحيازها الكامل لإسرائيل
مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض احتجاجاً على زيارة نتنياهو
جيش الاحتلال يعلن اعتقال خلية يزعم أنها تتبع فيلق القدس الإيراني جنوبي سوريا
ترمب يتوعد الدول المتحالفة مع بريكس برسوم جمركية إضافية بنسبة 10%
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 82 قتيلاً وسط استمرار البحث عن مفقودين
ترمب: أمامنا فرصة جيّدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة هذا الأسبوع
قادة "بريكس" يدعون إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ويُدينون الهجمات على إيران
القسام تستهدف تجمعات لجيش الاحتلال بخان يونس وتقصف مستوطنتين محاذيتين لغزة
بلا نتيجة حاسمة.. انتهاء الجلسة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل
جيش الاحتلال يستهدف مواني ومحطة كهرباء في اليمن والحوثيون يعلنون التصدي للهجوم
الضفة.. شهيدان في نابلس وإخطارات بالهدم في الخليل و296 انتهاكاً إسرائيلياً في سلفيت
الدوحة.. جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لأجل وقف إطلاق النار في غزة
"بملايين الدولارات".. تقرير بريطاني: شركة أمريكية تخطط لتهجير فلسطينيي غزة عبر المساعدات الإنسانية
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب باتفاق شامل تزامناً مع مفاوضات الدوحة
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us