وأوضح الشهود أن الضربات الإسرائيلية الكثيفة أدت إلى تدمير عدد من المباني، فيما لم تتضح على الفور الخسائر البشرية الناجمة عن تلك الضربات. واستهدف جيش الاحتلال بالمدفعية والطيران الحربي المناطق الجنوبية والشرقية من مدينة غزة بشكل مكثف.
جاء هذا التصعيد بعد يومين فقط من موافقة الحكومة الإسرائيلية فجر الجمعة على خطة عسكرية شاملة تهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، ضمن حرب إبادة جماعية مستمرة منذ 22 شهراً، وسط تحذيرات دولية وداخلية حول خطورة هذه الخطة، خصوصاً على الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وتزامن القصف مع استهداف جيش الاحتلال بخارطة جوية خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء في غزة، ما أسفر عن استشهاد خمسة من طاقم قناة الجزيرة في غزة، بينهم الصحفيان أنس الشريف ومحمد قريقع، كما جرت هذه التطورات بعد ساعات من مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ناقشا خلالها خطة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة.
وأقر الكابينت الإسرائيلي خطة تبدأ باحتلال مدينة غزة عبر تهجير سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة إلى الجنوب، يلي ذلك تطويق المدينة وتنفيذ عمليات توغل في التجمعات السكنية، ثم مرحلة ثانية تشمل احتلال مخيمات اللاجئين وسط القطاع، التي تعرضت لأضرار واسعة ضمن الحرب المستمرة بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ارتفاع حصيلة الشهداء المدنيين
وفي سياق متصل، استشهد 48 فلسطينياً وأصيب آخرون جراء استهداف جيش الاحتلال لمدنيين في مناطق متفرقة من قطاع غزة، بينهم منتظرون للمساعدات الإنسانية. وأظهرت حصيلة محدثة أن 22 فلسطينياً قُتلوا في هجمات متفرقة منذ فجر الأحد، في إطار ما تصفه مصادر طبية بأنه إبادة جماعية.
في شمال قطاع غزة، استشهد خمسة فلسطينيين وأُصيب آخرون بقصف جوي استهدف تجمعاً مدنياً في حي الصبرة بمدينة غزة، كما استشهد ثلاثة فلسطينيين في غارة جوية على شقة سكنية قرب ميناء غزة غرب المدينة.
واستهدفت زوارق حربية إسرائيلية مراكب الصيادين قبالة الساحل بقذائف وأطلقت النار. واستشهد فلسطيني وأصيب آخرون بالرصاص الحي خلال استهداف جيش الاحتلال لمنتظري مساعدات قرب "محور نتساريم" جنوب مدينة غزة، وأصيب آخرون في قصف استهدف منزلاً في جباليا النزلة شمال القطاع. كما استشهد ستة فلسطينيين في هجومين منفصلين، الأول في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
وفي وسط القطاع، أصيب عدد من الأشخاص بقصف من طائرات مسيرة على منطقة الحدبة في دير البلح، وأطلقت زوارق حربية إسرائيلية النار باتجاه الساحل غربي مخيم النصيرات. وتم نقل جثمان فلسطيني وعدد من الإصابات إلى مستشفى العودة في النصيرات إثر استهداف منتظري مساعدات في محيط محور نتساريم وسط القطاع.
كما استشهد أربعة فلسطينيين بقصف من طائرات مسيرة استهدفت تجمعاً مدنياً قرب دوار أبو صرار غرب النصيرات، وقتل الجيش امرأة بالرصاص شمال النصيرات.
وفي وسط غزة، استشهد فلسطيني وأُصيب ثلاثة آخرون إثر قصف استهدف تجمعاً مدنياً في منطقة الدعوة شمال مخيم النصيرات، كما استشهد ثلاثة فلسطينيين في قصف جوي استهدف تجمعاً مدنياً غرب المخيم، فيما أعلن مستشفى العودة مقتل ثلاثة فلسطينيين وإصابة ثلاثة آخرين في استهداف إسرائيلي لتجمع قرب نقطة توزيع مساعدات وسط القطاع.
أما في جنوب قطاع غزة، فقد وصلت جثامين 11 شهيداً إلى مستشفى ناصر جراء إطلاق جيش الاحتلال النار على منتظري مساعدات في منطقة موراغ جنوب خان يونس.
تحذيرات دولية من تأثير خطة الاحتلال على الأطفال والصحة العامة
أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الوضع في قطاع غزة لم يعد أزمة جوع وشيكة، بل تحوّل إلى مجاعة حقيقية، في كلمة ألقاها رئيس مكتب أوتشا بجنيف راميش راجاسينغهام أمام مجلس الأمن الدولي.
وقال إن المعاناة التي تكبدها الفلسطينيون خلال 22 شهراً مضت كانت مؤلمة للروح، وإنسانيتنا تفرض إنهاء هذه الكارثة فوراً، مضيفاً أن قرار إسرائيل باحتلال كامل قطاع غزة يمثل تصعيداً خطيراً في النزاع تسبب بمعاناة لا توصف.
وأكد أن الوضع الحالي لم يعد مجرد أزمة غذائية وشيكة بل مجاعة كاملة، داعياً إسرائيل إلى وقف الاعتقالات التعسفية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع.
كما نبّه راجاسينغهام إلى أن خطة الاحتلال التي أقرها الكابينت الإسرائيلي تشمل تهجير سكان مدينة غزة نحو الجنوب، وتطويق المدينة وشن عمليات توغل في الأحياء السكنية، متوقعاً أن تؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة. وأشار إلى أن التطورات في الضفة الغربية تزيد تفاقم الوضع الإنساني القائم، مؤكداً ضرورة تحرك المجتمع الدولي لإنهاء هذه اللا إنسانية، وحماية المدنيين وتلبية احتياجاتهم الأساسية وفق القانون الدولي. ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى الفلسطينيين، وإطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين تعسفياً، وتسريع تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية.
من جانبه، أوضح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أوروبا، ميروسلاف ينتشا، أن تقارير إعلامية عبرية تفيد بأن الحكومة الإسرائيلية تتوقع نزوح جميع المدنيين من مدينة غزة بحلول 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ما سيؤثر في نحو 800 ألف شخص، كثير منهم نزحوا سابقاً.
وأشار ينتشا إلى أن قوات الاحتلال ستقوم بحصار المدينة لثلاثة أشهر، تليها أشهر أخرى من السيطرة على مخيمات اللاجئين وسط القطاع، بهدف تطهير المنطقة من الجماعات المسلحة. وحذر من أن تنفيذ هذه الخطة سيؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة مع تهجير قسري وقتل ودمار إضافي، مما يزيد معاناة السكان.
وشدد ينتشا على أن الحق في الحياة والحرية والأمن للجميع يجب أن يُحترم، وأن الفلسطينيين يجب أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم. وأكد أن الحل الوحيد لإنهاء المعاناة في غزة هو وقف كامل وفوري ودائم لإطلاق النار، ودعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً، مطالباً إسرائيل بالتزام القانون الدولي الإنساني والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع بسرعة وأمان دون عوائق.
وأكد أنه لن يوجد حل مستدام دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتحقيق حل الدولتين الذي تضمن فيه غزة جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطينية مستقلة.
في نفس السياق، حذر مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن خطة إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية واحتلال قطاع غزة بالكامل مقلقة للغاية، خصوصاً في ظل الوضع الإنساني والصحي المتردي في القطاع.
وقال غيبريسوس، على حسابه بمنصة "إكس"، إن "مزيداً من التصعيد العسكري سيؤدي إلى تعريض مزيد من الأطفال للخطر، نتيجة سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية"، مجدداً دعوته إلى "إتاحة الوصول الفوري وغير المقيد والواسع إلى المساعدات الغذائية والصحية" إلى القطاع المحاصر.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفاً و258 شهيداً و152 ألفاً و45 مصاباً من الفلسطينيين، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.