وفي 25 يوليو/تموز الماضي، عاد عبد الله إلى بيروت بعد الإفراج عنه من السجون الفرنسية، حيث قضى 41 عاماً على خلفية اتهامه باغتيال دبلوماسيين إسرائيلي وأمريكي وحيازة أسلحة.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، أكد عبد الله، المعروف بمناصرته القضية الفلسطينية، أن الشعب الفلسطيني "منذ مطلع القرن العشرين لم يتوقف لحظة عن مقاومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، شأنه شأن سائر المناضلين العرب".
وأشار إلى أن إسرائيل، ومنذ عقود، تحتل فلسطين وأراضي في لبنان وسوريا، وترفض الانسحاب منها أو السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب عام 1967.
ورأى عبد الله أن "فلسطين تمثل الرافعة التاريخية والثورية لمسار الثورة العربية، ومن هذا المنطلق فإن دعمها واجب ومسلَّمة لدى المناضلين في لبنان وسوريا والعراق وسائر البلدان العربية".
وأضاف أن الشعب الفلسطيني، إلى جانب مقاومته الاستعمار الاستيطاني، يواجه "المنظومة الإمبريالية الغربية"، مشدداً على أن إسرائيل ليست سوى "امتداد عضوي واستمرار طبيعي لهذا الغرب الإمبريالي".
"فلسطين اليوم أقوى"
قال عبد الله إن مواجهة فلسطين منظومة الرأسمالية العالمية تجعل المناضل العربي يلتقي مع نظيريه التركي والأوروبي في معركة مشتركة ضد الاستعمار الاستيطاني.
وأكد أن فلسطين اليوم أقوى من أي وقت مضى، فيما يعيش الاحتلال الإسرائيلي آخر فصول وجوده، خلافاً لما يروِّجه الخطاب الإمبريالي.
وأوضح أن حضور القضية الفلسطينية بات عالمياً، مشيراً إلى أنه لا توجد دولة اليوم إلا وتُرفع فيها الراية الفلسطينية وتُرتدى الكوفية رمزاً للحرية.
وأضاف: "من أنقرة وإسطنبول إلى أستراليا واليابان، مروراً بجميع المدن الأوروبية، ووصولاً إلى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، أصبحت الكوفية الفلسطينية عنواناً للحرية والكرامة والتحرر".
وشدد الناشط اللبناني على أن الثورة الفلسطينية "بألف خير"، معتبراً أن ما وصفه بـ"الفصل الأخير للكيان الإسرائيلي" يدفعه إلى إطلاق كامل مخزونه من الحقد والدمار والبربرية، مؤكداً أن هذا الواقع سيُواجَه بكل ما يملك الشعب الفلسطيني من عطاء وتضحية.
وأشار عبد الله إلى أن التاريخ لم يعرف حركة مقاومة شبيهة بما يجري في غزة منذ 17 عاماً، إذ يعيش سكانها تحت الحصار، لكنهم يواجهون العدو بثبات وشجاعة، قائلًا: "غزة لن ترفع الراية البيضاء، بل ترفع راية التحرر وهي صامدة".
في حديثه عن مستقبل الفلسطينيين، قال عبد الله، إن القضية الفلسطينية تمر حالياً بمرحلة مفصلية، مؤكداً أن الفلسطينيين "أقرب من أي وقت مضى إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني".
ورأى أن إسرائيل تعيش "آخر فصول وجودها"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد شعب على وجه الأرض إلا وتقف نُخبُه الحيَّة إلى جانب فلسطين، التي تقترب من النصر أكثر من أي وقت سابق".
وأعرب عن فخره بما تشهده تركيا من تضامن واسع مع غزة، معتبراً أن ذلك "يشرّف تركيا والوطن العربي، ويعكس أهمية اللقاء العربي-التركي في مواجهة منظومة الاستغلال العالمي".
وأشاد بالدور النشط لأنقرة في المحافل الدولية لإنهاء معاناة الفلسطينيين ومحاسبة قادة إسرائيل، فضلاً عن الفعاليات التضامنية المستمرة التي تحتضنها تركيا لفضح حرب الإبادة الإسرائيلية وإدانتها.
ووجّه عبد الله رسالة إلى الشباب دعاهم فيها إلى النضال بلا هوادة، مؤكداً أن "مواجهة الاحتلال لا تعرف سوى لغة واحدة: المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة".
وختم برؤيته أن "الثورات المقبلة ستقودها الأجيال الشابة التوَّاقة إلى مزيد من الحرية والتلاحم الإنساني".
تجربة السجن الطويلة
تحدث عبد الله عن معاناته في السجون الفرنسية، موضحاً أنه اعتُقل عام 1984، في وقت لم تكن فيه هناك جريمة تحمل اسم "الإرهاب"، ولم تُوجَّه إليه أي تهمة بهذا الوصف، إلا أن السلطات الفرنسية أحالته إلى محكمة مكافحة الإرهاب، واصفاً ذلك بأنه "هرطقة قانونية".
وأضاف أنه عندما طالب المدعي العام الفرنسي بأقصى عقوبة ممكنة بحقه، حددها بما دون تسع سنوات استناداً إلى ما لديه من ادعاءات، "لكنني أمضيت في السجون 41 عاماً"، كما قال.
وأعرب عبد الله عن فخره بتمكنه من مواجهة سنوات الاعتقال الطويلة بوصفه "مناضلاً من مناضلي شعبنا"، رغم صعوبة الأسر، مشيراً إلى أن حركة التضامن الواسعة، سواء من الجماهير الفرنسية وطلائعها أم من جماهير وطلائع تركيا، ساعدته على البقاء ثابتاً في السجن وأداء دوره النضالي.
وبيّن أن تضامن الرفاق في تركيا ولبنان، وتواصلهم المستمر معه، مكّناه من إجراء مداخلات مع السجناء حول القضية الفلسطينية في إطار الصراع القائم، وهي المسألة التي عدَّها أساسية في صمود أي مناضل داخل الأسر.
وأوضح أنه تعرض للضغوط النفسية التي يواجهها معظم الأسرى، لكنه لم يتعرض لأي تعذيب جسدي، مؤكداً أنه واجه العزلة مثل سائر المناضلين، وتمكَّن من تجاوزها بفضل تضامن الرفاق والأصدقاء في تركيا واليونان وفرنسا والوطن العربي وإيطاليا وغيرها.
قضاء "منحاز"
انتقد عبد الله بشدة موقف القضاء الفرنسي، معتبراً أنه، مثل سائر الأنظمة القضائية في العالم الرأسمالي، "يدوس على قوانينه عندما يتعلق الأمر بمحاكمة مناضلين سياسيين، لتأمين مصالح الدولة".
وأوضح أنه كان مؤهلًا للإفراج عنه منذ عام 1999، لكنَّ السلطات الفرنسية رفضت ذلك، بل ألغت الحكومة قراراً قضائياً بالإفراج صدر عام 2003.
وأضاف أن القاضي أصدر عام 2013 قراراً جديداً بإطلاق سراحه، لكنَّ وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، هيلاري كلينتون، اتصلت بوزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس وطلبت منه، كما ورد في وثائق ويكيليكس، إبقاءه في السجن، "فوافق فوراً".
وأشار عبد الله إلى أن هذا الموقف يجسد انحياز السلطات الفرنسية ضد المناضلين العرب، مذكّراً بأن الحكومة الفرنسية أعادت إنشاء المحاكم الخاصة التي أسَّسها المارشال فيليب بيتان، إبان الاحتلال النازي، وهي ذاتها التي أصدرت أحكاماً بحق المقاومين الفرنسيين.
ورأى أن إحياء هذه المحاكم "ليس مجرد هرطقة قانونية، بل وصمة عار"، إذ تُستخدم اليوم لمحاكمة مناضلين عرب وقفوا إلى جانب فلسطين، كما استُخدمت بالأمس لمحاكمة من قاوموا الاحتلال النازي، وهو ما يكشف عن "الوجه الحقيقي للقضاء الفرنسي".
وأكد أن موقف فرنسا التاريخي من القضايا العربية والفلسطينية "معروف ومعادٍ"، ويتسم بـ"الكذب والنفاق"، ولا يختلف في جوهره عن مواقف إسرائيل والإمبريالية الأمريكية.
وأضاف: "فرنسا، إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، من أشد المعارضين لمواقف تركيا وغيرها في القضايا الحساسة، وهم تاريخياً من ألدّ أعداء الثورة الفلسطينية".
واستشهد بمقتل أكثر من 12 ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، من دون أن يُعتقل أي من العملاء الإسرائيليين المتورطين أو يُقدَّموا للمحاكمة.
ولفت إلى أن فرنسا، طوال تاريخها الحديث، لم تُفرج عن أي مناضل عربي إلا تحت ضغط شديد، وصل أحياناً إلى حد خطف مواطنين فرنسيين ومقايضتهم، معتبراً أن هذه "هي اللغة الوحيدة التي يفهمها القضاء الفرنسي"، الذي يراه "جزءاً من المنظومة الإمبريالية المعادية لشعبنا".