وخلال مؤتمر صحفي نادر عقده في القدس المحتلة، قال نتنياهو إنّ العملية المقبلة ستُنفَّذ "ضمن جدول زمني قصير نسبياً لأننا نريد إنهاء الحرب"، رافضاً الكشف عن إطار زمني محدد، لكنه أكد أن الهدف هو "تفكيك معقلَي حماس المتبقيين في مدينة غزة والمخيمات الوسطى"، مع إنشاء ممرات ومناطق آمنة لتمكين المدنيين من المغادرة.
وأضاف: "لقد أتممنا جزءاً كبيراً من العمل، نحن نسيطر حالياً على ما بين 70 و75% من غزة، لكن ما زال أمامنا معقلان أساسيان: مدينة غزة، ومخيمات اللاجئين وسط القطاع والمواصي، ولا خيار أمامنا سوى إنهاء المهمة".
تصريحات نتنياهو جاءت بعد يومين من إعلان المجلس الوزاري الأمني، الجمعة، خططاً لتوسيع الحرب والسيطرة على غزة، وهو القرار الذي أثار موجة انتقادات واسعة في الداخل والخارج.
وردّ المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، طاهر النونو، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، واصفاً ما قاله نتنياهو بأنه "جملة من الأكاذيب"، مضيفاً أنه "يعمد إلى التضليل وإخفاء الحقيقة".
وعلى الصعيد الدولي، عقد مجلس الأمن، الأحد، جلسة طارئة لمناقشة التطورات، إذ حذّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ميروسلاف جينكا من أن "تنفيذ هذه الخطط قد يؤدي إلى كارثة جديدة في غزة، تتردد أصداؤها في أنحاء المنطقة، وتتسبب في مزيد من النزوح القسري والقتل والدمار".
وتسعى قوى دولية، من بينها حلفاء لإسرائيل، للتوصل إلى وقف إطلاق نار تفاوضي يتيح عودة المحتجزين ويخفف الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وسط تحذيرات متكررة من خطر المجاعة.
تحضيرات القيادة الجنوبية
رغم تصديق المجلس الوزاري المصغر على خطة نتنياهو لاحتلال غزة وتصريحاته بشأن تسريع تنفيذها، فإن الطريق ما زالت طويلة، وفق ما أورده تقرير للمراسل العسكري يؤاف زيتون في صحيفة يديعوت أحرونوت.
وحسب تقرير الصحيفة العبرية، فإن أحد الملفات الرئيسية التي ستُعرض على قيادة جيش الاحتلال خلال الأسبوعين المقبلين يتعلق بموعد استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط لصالح العملية واسعة النطاق. وحتى اللحظة، لم تصل أي أوامر إلى الألوية، فيما يتعامل جيش الاحتلال بحذر مع هذا المورد المُنهك الذي يُعامل أحياناً كأنه مضمون.
وأوضح التقرير أن رئيس الأركان الفريق إيال زمير من المتوقع أن يتسلم بحلول نهاية الأسبوع الخطوط العريضة والأفكار الأساسية التي تتبلور في قيادة المنطقة الجنوبية بشأن العملية البرية الكبرى. ومع ذلك، تشير التقديرات الحالية إلى أن الهجوم لن يُنفذ على نطاق واسع قبل نهاية أغسطس/آب الجاري على الأقل.
ويشير المراسل العسكري يؤاف زيتون إلى أن جيش الاحتلال، على عكس القيادة السياسية، لا يأخذ في الحسبان فقط إنهاك قوات الاحتياط التي استدعيت مراراً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل أيضاً متطلبات فترة الصيف وإجازات الأطفال، وهو ما دفع عديداً من قادة الكتائب والألوية خلال الأسابيع الأخيرة إلى تسريح جنود احتياط وتعويضهم بضباط نظاميين من الدورات التدريبية.
وحسب يديعوت أحرونوت، لن ينتقل جيش الاحتلال إلى مرحلة إقرار الخطط في الكابينت إلا بعد أن يوافق رئيس الأركان على الأفكار الرئيسية التي تطرحها قيادة المنطقة الجنوبية والألوية المختلفة، وتشمل إخلاء 800 ألف فلسطيني من شمال القطاع، ووضع جداول زمنية دقيقة لخطط القتال.
ويضيف تقرير الصحيفة أن الاعتبارات التي ستؤخذ في الحسبان لا تقتصر على الجوانب العسكرية، بل تشمل أيضاً أبعاداً إنسانية وضغوطاً سياسية، إضافة إلى موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وحالة الجاهزية الفنية للدبابات وناقلات الجند، ومستوى المخزونات العسكرية، خصوصاً الذخيرة البرية، وسط مخاوف من اتساع نطاق الحظر العسكري المفروض على إسرائيل من قِبل دول بينها ألمانيا.
وفي ما يتعلق بسلوك جيش الاحتلال الميداني، نقلت يديعوت أحرونوت عن زمير تأكيده للقيادة السياسية، بخلاف ما ألمح إليه وزراء مثل سموتريتش، أن خطه الأحمر لن يتغير: “الجيش لن يهاجم أي منطقة تتوفر عنها معلومات استخباراتية بوجود محتجزين فيها”، وهو نهج التزمه طوال معظم مراحل الحرب.
كما شدد زمير، وفق تقرير المراسل العسكري، على أن القوات المشاركة في العملية الجديدة داخل غزة ستحصل على فترات استراحة وتناوب، حتى لو أدى ذلك إلى إطالة أمد القتال من أربعة إلى ستة أشهر أو أكثر، مشيراً إلى أن أحد التحديات الكبرى أمام الجنود، خصوصاً في الوحدات القتالية، هو حالة عدم اليقين.
خطة بطيئة
في كل الأحوال، يُتوقع، حسب تقرير المراسل العسكري يؤاف زيتون في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن تكون العملية الإسرائيلية في غزة بطيئة وتدريجية، بهدف زيادة الضغط على حركة حماس وإتاحة مزيد من الوقت للوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وقطر ومصر، لإبرام صفقة تبادل للمحتجزين.
ويشير التقرير إلى أن الجمود الحالي، رغم القرار المبدئي للكابينت، جعل وتيرة التنفيذ وتفاصيله بيد جيش الاحتلال، الذي يعارض قائده تنفيذ العملية بالشكل الذي يطرحه المستوى السياسي.
وحسب يديعوت أحرونوت، يتركز نشاط معظم القوات الإسرائيلية المتبقية في غزة حالياً على مهام دفاعية وهدم المباني، مع تنفيذ عمليات هجومية محدودة في مناطق مثل حي الزيتون جنوبي مدينة غزة.
وعلى عكس ما وردَ في بعض التسريبات عن نية استدعاء نحو 250 ألف جندي احتياط، يقدّر جيش الاحتلال أن الأعداد ستكون أقل، خصوصاً مع انخفاض نسب الاستجابة هذا العام إلى ما بين 60 و70%.
ويضيف المراسل العسكري أن فترة التحضيرات الممتدة، التي حدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موعدها النهائي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قد تؤدي إلى أن تستكمل قوات جيش الاحتلال حصار مدينة غزة.
ووفقاً لصحيفة معاريف العبرية، فإنّ الكابينت الإسرائيلي أقرّ إنشاء 12 محطة لتوزيع المساعدات الإنسانية، على غرار أربع محطات تعمل حالياً في رفح. وبعد ذلك يبدأ جيش الاحتلال تقدماً هجومياً تحت النار نحو نقاط سيطرة في غزة، تشمل مفترقات رئيسية، ومعابر، ومواقع استراتيجية، ومراكز قيادة، ومناطق مرتفعة.
التقديرات التي نقلتها الصحيفة تشير إلى أن إنشاء 12 محطة توزيع قد يستغرق أسابيع أو أشهراً، في حين يتوقع جيش الاحتلال أنّ عملية "السيطرة" لن تحدث قبل الخريف، بين منتصف أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني القادمين.