بجسدٍ أنهكته ساعاتُ العمل الطويلة، وقلةُ الطعام، وضغطُ حربِ الإبادة، يواصل مديرُ عامِّ وزارةِ الصحةِ في غزة الدكتور منير البرش إدارةَ ما تبقى من المستشفيات في قطاع غزة، محذرًا من أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب ما وصفه بـ"الإبادة الصحية" التي طالت القطاع الطبي بأكمله.
وفي مقابلة مع TRT عربي، رسم البرش صورةً قاتمةً لواقع المستشفيات والطواقم الطبية؛ أطباءٌ يسقطون في أثناء إجراء العمليات الجراحية بسبب سوء التغذية، وغذاءٌ لا يتجاوز 200 جرام من الأرز يومياً، ووجباتٌ يتنازل عنها الأطباء لأطفالهم وأسرهم.
وفي الوقت نفسه، يواصل الاحتلال استهدافَ الكوادرِ الصحيةِ بالقتل والاعتقال، ويمنع الجرحى والمرضى من أبسط حقوقهم في العلاج.
هذه الشهادات تكشف حجمَ المأساة التي تجاوزت حدودَ أي أزمةٍ إنسانيةٍ معتادةً؛ منظومةٌ صحيةٌ مشلولة، نقصٌ دوائيٌّ حاد، مستشفياتٌ خرجت عن الخدمة، مئاتُ الآلافِ من الجرحى بلا علاج، وأطفالٌ يواجهون المجاعةَ وانعدامَ الأمن الغذائي.
ومع مرور كلِّ يوم، يقترب القطاعُ من حافة الانهيار الكامل، في مشهدٍ ينذر بوفاة مئات الأشخاص يومياً ما لم يتحرك المجتمعُ الدوليُّ فوراً لوقف الحرب وفتح المعابر لإدخال المساعدات الطبية والإنسانية.
أوضاع مأساوية للأطباء
وفي تصريحاته لقناة TRT، كشف البرش عن أوضاعٍ مأساويةً يعيشها الأطباء في غزة، قائلًا إن بعضهم سقط في أثناء إجراء العمليات الجراحية نتيجة سوء التغذية، فيما يقتصر غذاؤهم على وجبةٍ واحدةٍ يومياً تحتوي على أقل من 200 جرام من الأرز، ولا توجد حتى أطباقٌ لوضع الطعام فيها.
وأشار إلى أن بعض الأطباء يرسلون هذه الوجبة إلى أطفالهم وزوجاتهم دون أن يتناولوا شيئاً، محذراً من أن سوء التغذية والمجاعة تمنع الأطباء من القدرة على العمل لساعاتٍ طويلة تصل إلى 24 ساعة.
وجدد البرش التذكيرَ بأن الاحتلال يحتجز جثامينَ الأطباء الشهداء في معهد "أبو كبير" ويرفض تسليمها لدفنها، لافتاً إلى أن أكثر من 1,590 من الكادر الصحي استشهدوا، بينهم أكثر من 200 طبيب، ومنهم الدكتور مروان السلطان الحاصل على أعلى شهادة علمية في غزة.
كما اغتال الاحتلال روادَ عمليات زراعة الكلى. وذكر أن أكثر من 360 من الكوادر الطبية اعتُقلوا، بينهم الطبيب حسام أبو صفية الذي يفقد وزنه في المعتقل بسبب حرمانه من الطعام والدواء، حيث يركز الاحتلال على إهانة الأطباء وسوء معاملتهم.
انهيار المنظومة الصحية
وأوضح البرش أن نسبة العجز الدوائي تجاوزت 67%، وأن الاحتلال يمنع دخول الأدوية المخدرة، ما اضطر الطواقمَ لإجراء عمليات بترٍ للجرحى دون تخديرهم.
وأضاف أن 23 مستشفى خرجت عن الخدمة، ولم يتبقَّ سوى 15 مستشفى تعمل جزئياً من أصل 38، فيما تراجعت غرف العمليات في مستشفى الشفاء من 27 إلى 4 فقط، بطاقةٍ استيعابيةٍ لا تتجاوز 70 سريراً رغم استقبال أكثر من 400 جريح في الليلة الواحدة.
وتوقفت عمليات القلب المفتوح بالكامل، وانخفضت عمليات القسطرة من 6,000 سنوياً إلى نحو 40 فقط، كما استشهد أكثر من 1,800 مريض بسبب منع وصول الطواقم الطبية إليهم.
وبلغ عدد الجرحى أكثر من 145,000، بينهم أكثر من 28,000 بحاجةٍ لتأهيلٍ طبي عاجل، إضافةً إلى نحو 16,000 مريض مسجلين لدى الأمم المتحدة بانتظار العلاج خارج القطاع، لكن الاحتلال يمنع خروجهم.
كارثة إنسانية ومجاعة وشيكة
وأكد البرش وجود أكثر من 28,000 حالة سوء تغذية حادة، بينهم 500 رضيع داخل المستشفيات، إلى جانب 1,200,000 طفل يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و250,000 شخص مسجلين في مراكز وزارة الصحة كسوء تغذية.
كما سجلت الوزارة أكثر من 4,800 معاق، بينهم 1,000 طفل، نتيجة الاستهداف المباشر للمدنيين. وحذر من أنه إذا استمرت المجاعة، "فنحن على أعتاب مرحلةً قد نشهد فيها وفاة 500 شخص يومياً".
وأشار إلى أن الكهرباء انقطعت في كثيرٍ من الأحيان عن غرف العمليات في أثناء إجراء العمليات الجراحية، مؤكداً أن نسبة إشغال المستشفيات تجاوزت 300%.
كما ذكر أنه التقى الصحفي أنس الشريف قبل استشهاده بيومين، وأخبره الأخير أن الاحتلال هدده. وختم البرش مناشداً المجتمع الدولي بوقف الحرب وفتح المعابر بشكل عاجل لإدخال الإمدادات الطبية ووقف المجاعة التي تهدد حياة المدنيين في غزة.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادةً جماعيةً بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلةً النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة 61,776 شهيداً فلسطينياً و154,906 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9,000 مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 239 شخصاً، بينهم 106 أطفال.