رجل لم تهزمه السنون.. الأسير الفلسطيني المحرر عبد الناصر عيسى يتحدث إلى TRT عربي
الحرب على غزة
13 دقيقة قراءة
رجل لم تهزمه السنون.. الأسير الفلسطيني المحرر عبد الناصر عيسى يتحدث إلى TRT عربييرى عبد الناصر عيسى أن مستقبل الحرب على غزة مرهون بصمود المقاومة، وأزمات إسرائيل الداخلية، وتبدّل موقف واشنطن تجاه تل أبيب.
يرى عيسى أن مشروع إسرائيل ليس الاندماج، بل السيطرة، وكل الوقائع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعيد تأكيد هذه الحقيقة. / TRT ARABI
29 مايو 2025

اثنتان وثلاثون سنة، هذا هو مجموع ما قضاه عبد الناصر عيسى في سجون الاحتلال. كثيرٌ من أصدقائي من مواليد التسعينيات لم يكونوا قد وُلدوا بعد، أو كانوا لا يزالون في حجور أمهاتهم، حين بدأ هذا الرجل رحلته مع الاعتقال.

عندما قابلته لأول مرة، وجدته يخطط لكثير من الأمور، ويسأل عن تفاصيل دقيقة في قضايا عديدة، كأن الزمن لم يمسّه. هؤلاء الرجال لا يُهزمون بالسنين.

عبد الناصر عيسى أسير محرر، وأحد قادة الحركة الوطنية الأسيرة. كان مطارداً في الضفة، ثم متخفياً في غزة. قيادي في كتائب القسام في الضفة الغربية، ورفيقٌ للعياش والضيف. ومع ذلك، فهو قارئ نهم، وباحث جاد في الدراسات الإسرائيلية، يشتبك مع الاحتلال معرفياً كما يشتبك معه سياسياً وميدانياً.

تساءلت تحت أي صفة أريد أن أُجري معه هذه المقابلة. قلت في نفسي: كلها. لكنني قررت ألّا أغرق في التاريخ، سأركّز على الاحتلال والمستقبل. الوقت لا يكفي، والنص لا يتسع، ورغم أنني استمعت إليه مرتين، في لقاءين امتدّا لثلاث ساعات على الأقل، ما زلت نادماً على أنني لم أخصص وقتاً أطول. خرجت من المقابلة بوعد بلقاء آخر.

وُلد عبد الناصر عيسى في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 1968 في مدينة نابلس، لكنه اضطر إلى مغادرتها بعد أن هدم جيش الاحتلال منزل عائلته، منتقلاً مع أسرته إلى مخيم بلاطة للاجئين، وتعود جذور العائلة إلى قرية طيرة دندن قضاء يافا.

بدأ عيسى تعليمه الأساسي في مدرسة وكالة «الأونروا» في مخيم بلاطة، وأكمل المرحلة الثانوية في المدرسة الإسلامية بمدينة نابلس، ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية. وفي سنته الجامعية الثالثة ومن قاعات الجامعة اعتقلته سلطات الاحتلال.

ورغم سنوات الاعتقال الطويلة، واصل عيسى مسيرته الأكاديمية من داخل السجن، حيث حصل عام 2007 على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من «الجامعة المفتوحة في تل أبيب»، ثم نال درجة الماجستير في دراسات الديمقراطية من الجامعة نفسها عام 2009، وتبعها بدرجة ماجستير ثانية في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس/أبو ديس عام 2014.

ويعمل حالياً على إعداد أطروحة الدكتوراه حول العلاقات التركية-الإسرائيلية. وخلال سنوات أسره، ألّف عبد الناصر عيسى عدداً من الكتب والدراسات التي تناولت قضايا سياسية وثقافية، فضلاً عن شؤون الاحتلال الإسرائيلي.

عام 2026

يرى عبد الناصر عيسى أن وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مرهون بثلاثة عوامل، الأول يتعلق بالشعب الفلسطيني وقدرته على المقاومة والصمود، والثاني بالجانب الإسرائيلي، والثالث بالإدارة الأمريكية وتوجهات الرئيس ترمب.

وحول العامل الأول، فإن بقاء وصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحفاظ المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام، على قدرتها على توجيه ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي المحتل، يساهم في إنهاء الحرب ووضع حد لها.

أما العامل الثاني، فهو سياسي داخلي إسرائيلي، وحتى هذه اللحظة لم تنجح المعارضة الإسرائيلية ولا عائلات الأسرى والمعتقلين في بلوغ نقطة كسر المعادلة أو الضغط على نتنياهو لوقف الحرب.

اليمين المتطرف لا يزال صامداً، وقدرته على الاستمرار السياسي قائمة منذ عام تقريباً، ما يعني أن هذا العامل أصبح محيّداً مؤقتاً، رغم احتمالية أن يعود ويؤثر خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.

والعامل الأخير المهم يتمثل في الإدارة الأمريكية وشخصية دونالد ترمب، وكيفية تعامله مع السياسة الخارجية، التي يمنح فيها العامل التجاري أولوية قصوى؛ مع الإشارة إلى أن العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية، التي وإن بدت متماسكة، إلا أن الرهان الحقيقي لا يكون على انهيارها، بل على توسيع الهوامش والتباينات داخلها بما يخدم أهدافاً تكتيكية مثل: وقف إطلاق النار في غزة، أو التوصل إلى صفقة تبادل أسرى تشمل إطلاق سراح فلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين الأسرى.

ويشدد عبد الناصر عيسى على أنه «وفي حال لم تتعرض هذه العوامل لضغوط فعلية، فإن نتنياهو يسعى بوضوح إلى إطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات المقررة في منتصف عام 2026، وأعتقد أن هذا هو هدفه الاستراتيجي».

س: لماذا التعويل على الموقف الأمريكي إلى هذه الدرجة؟

ج: لأن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في العالم اليوم، وهي الطرف الأكثر تأثيراً في مجريات السياسة الدولية، بما في ذلك ما يجري في غزة، ومن المهم أن نتذكر أن مجيء ترمب إلى المشهد في المرحلة الماضية أسهم في التوصل إلى الاتفاق الأول لوقف إطلاق النار في غزة، فهل يمكن أن تنجح وساطته مجدداً؟

نعم، من الممكن، وقد لا يحدث ذلك، لكنني أرجّح أن لتكرار هذا السيناريو إمكانية واقعية.

س: لكن الإدارة الأمريكية الحالية تضع شروطاً لوقف الحرب لا تقل قسوة عن الشروط الإسرائيلية؟

ج: نعم، بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي قدر كبير من التماهي، بخاصة في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، والصراع العربي-الإسرائيلي، والموقف من المقاومة الفلسطينية. إسرائيل تُمنح هامش حرية واسعاً في قراراتها وسياساتها.

لكن في الوقت نفسه، يجب الانتباه إلى أن هذا الملف، إذا ما بدأ يُلحق ضرراً مباشراً بالمصالح الأمريكية، فقد يدفع واشنطن إلى التفكير بطريقة مختلفة. أعتقد أن بوادر هذا التحول بدأت بالظهور، رغم أن الصورة لا تزال غير واضحة، والتنبؤ بمآلات الأمور في هذه المرحلة أمر بالغ الصعوبة.

س: في ضوء العوامل السابقة، أين ترى مستقبل قطاع غزة؟

ج: لا أفضل الحديث الآن عن مستقبل القطاع، لأن الوقت لا يزال مبكراً لذلك.

لكن ما هو مؤكد بالنسبة لي، أن قطاع غزة سيستعيد عافيته، وسينهض من تحت الركام كما ينهض طائر العنقاء من الرماد. لا خيار أمامنا سوى هذا الطريق.

لعلّ هذه المأساة تدفع الأمة، أو قوى كامنة في الإقليم، إلى التحرّك والانفجار في لحظة ما.

وفرضية العمل التي يجب أن تُعتمد هي أن هذه المعركة مرشحة للاستمرار حتى عام 2026، وعلينا كشعب فلسطيني أن نستعد لهذا الاحتمال بكل ما نملك من إرادة ووعي وإمكانات. 

أثر السابع من أكتوبر/تشرين الأول

س: أنت تتابع إسرائيل منذ فترة طويلة، منذ التسعينيات وربما قبل ذلك، ولديك دراسات عديدة حولها، وتتابعها من قرب. ما الذي تغيّر فيها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟

ج: أعتقد أن الذهنية الإسرائيلية نفسها قد تغيّرت. حتى أنصار الوسط واليسار في إسرائيل أصبحوا أكثر تطرفاً، وأكثر عداءً للفلسطينيين في غزة. باتوا يعتقدون أن تقديم أي مكاسب للفلسطينيين لا يُجدي نفعاً، وأن كل الخطوات السابقة كانت بلا طائل.

إنهم يعيشون في فقاعة من الوهم، يتصرفون وكأنهم "يمنحون" الفلسطينيين حقوقهم، في حين أن هذه الحقوق أصلاً ليست منّة، بل هي حق مشروع.

أنا عبد الناصر عيسى من الطيرة قضاء يافا، فكيف تأتي وتقول لي: "سأعطيك ما هي حقوقك"؟ هذه حقوقي، وليست هبة منك.

السلطة الفلسطينية قبلت سابقاً بحل وسط مؤلم، وهو حل لم أوافق عليه شخصياً، ولم توافق عليه غالبية أبناء شعبنا. قدّمت تنازلات كبيرة، ومنحتهم أكثر من 78% من الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك لم يوافقوا. صحيح أن اليسار الإسرائيلي يقبل مبدأ "تقسيم البلاد"، لكنه تقسيم ظالم وغير منصف.

الشعب الفلسطيني قدّم شخصية مثل الرئيس محمود عباس، بصرف النظر عن تقييمنا لسياساته، وأنا شخصياً لا أؤيدها. لكن ماذا قدّم الطرف الإسرائيلي في المقابل؟ قدّم بن غفير وسموتريتش! قدمنا طرفاً سياسياً، وواجهونا بمزيد من التطرّف.

الصراع في إسرائيل

س: هذا في ما يتعلق بالموقف من الفلسطينيين، فماذا عن الداخل الإسرائيلي؟ الإصلاح القضائي وغيره؟

ج: السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحّد الإسرائيليين، على الأقل مؤقتاً، خصوصاً خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب. لكننا الآن نشهد عودة تدريجية لعوامل الأزمة الداخلية.

س: ما أبرز معالم هذه الأزمة؟

ج: في جوهرها، الأزمة تتمثل في مساعي نتنياهو لتعزيز قبضته على الحكم، والتهرب من المحاكمات. حالياً، يسعى إلى إحكام سيطرته على مؤسسات الدولة. بدأت ملامح هذه المحاولة بالظهور مجدداً، وبدأت المعارضة برفع صوتها، لكنها حتى الآن عاجزة عن فرض معادلة بديلة، لأسباب شخصية وأيديولوجية وسياسية.

نتنياهو يدرك هذه المعادلة جيداً، ولذلك يعمل على استمرار الحرب، لأنه يعلم أن استمرارها يعني استمرار التفاف المجتمع الإسرائيلي حول قيادته. في إسرائيل، يقول تعبير شائع: "شكيت يوريم" -أي "يصمتون عندما تطلق النار"- وهو ما يشير إلى تراجع النقد والمعارضة خلال العمليات العسكرية. وهذه ظاهرة إنسانية متكررة في مجتمعات الحروب.

صحيح أن حالة الإجماع التي سادت في بداية الحرب قد تراجعت بعد ستة أشهر، لكنها لم تنته بعد، ولا تزال تمنح نتنياهو هامش مناورة.

أما الحراك السياسي ضد سياسات نتنياهو، فتركّزه الأساسي ليس في الموقف من الفلسطينيين، بل في القضايا الداخلية كالعلاقة بين الدين والدولة، ومستقبل القضاء.

في المجتمع الإسرائيلي قطاعات ترفض سيطرة الدين على الحكم، وتخشى من أن تصبح السلطة القضائية مجرد أداة في يد السلطة التنفيذية. 

متلازمة القلق الوجودي

س: عندما يُقال إن الحرب في غزة هي "حرب الاستقلال الثانية"، ماذا يُقصد بذلك؟

ج: إسرائيل تعيش بشكل دائم في وهم "الخطر الوجودي". هذا مرتبط بما يُعرف في عقيدتها بـ"النزعة الأمنية"، والتي تنبع من طبيعة وجودها القائم على سرقة أراضي الآخرين. طالما أن وجودك مبني على اغتصاب، فستظل تخشى أن ينهض أصحاب الأرض الحقيقيون ويطالبوا بحقهم.

في الثقافة السياسية الإسرائيلية مثال شهير في خطاب موشيه ديان، حين وقف أمام قبر أحد الجنود الإسرائيليين في موقع ناحال عوز شرق غزة، وقال بالحرف: "لا تلوموا الفلسطينيين، فهم ينظرون إلينا ونحن نزرع ونحصد في حقول كانت لأجدادهم. لا تظنوا أنهم سينسون أو يسامحون يوماً ما".

هذا الوعي العميق بالخطيئة التأسيسية للاحتلال هو ما يجعلهم يتحدثون اليوم عن "استقلال ثانٍ"، كأنهم لم يُنجزوا بعد مشروعهم الأول.

س: كيف انعكس هذا الخوف الوجودي على رؤية إسرائيل لنفسها ولمكانها في المنطقة؟ فقد رأينا في التسعينيات خطاباً إسرائيلياً يتحدث عن نضوج سياسي، وسعي للسلام مع المحيط العربي، وترويجاً لفكرة "شرق أوسط جديد". أما اليوم، فهناك ارتداد واضح نحو الحذر الأمني، وسياسات المناطق العازلة في غزة ولبنان وسوريا، كيف عزّز السابع من أكتوبر/تشرين الأول هذا التحول؟

ج: بالفعل، عزّز السابع من أكتوبر/تشرين الأول من شعور الإسرائيليين بأن "الخطر لا يزال قائماً". في السابق، كان الوسط واليسار يتحدثان عن إمكانية الاندماج في الإقليم، والتعايش مع العرب والفلسطينيين، وكان لدى بعضهم اعتقاد أن الجرائم التي ارتُكبت في الماضي يمكن تجاوزها من خلال صفحة جديدة.

أما اليوم، فبات الخطاب مختلفاً. اليمين، ومن خلفه قطاعات واسعة من المجتمع، يقولون بوضوح: لا يمكن التعايش مع هؤلاء، إنهم أعداء.

السابع من أكتوبر/تشرين الأول عزّز هذا الميل داخل اليمين، بل وحتى في أوساط من اليسار، وكرّس المخاوف الكامنة في الوعي الصهيوني من أن "الآخر الفلسطيني" لن ينسى، ولن يغفر.

لكنه، من جهة أخرى، أحيا من جديد الجدال بين "الحسم" و"الحل". فبينما يرى البعض أن هذا الصراع يجب حله، يرى اليمين المتطرف أن الحل مستحيل، وأن المطلوب هو الحسم.

س: ما الفرق بين منطق الحسم ومنطق الحل؟

ج: الحل يعني إعطاء الفلسطينيين شيئاً من حقوقهم، أما الحسم فيعني سحقهم وإخضاعهم بالكامل.

اليوم، تراجعت الأصوات الإسرائيلية التي كانت تنادي بالحل، لكن لا تزال في المعسكر الديمقراطي وبعض أطياف اليسار بقايا، مثل يائير غولان، يدعون إلى التفاهم مع السلطة الفلسطينية مع ضرورة "مسح" حماس.

في المقابل، بن غفير ومن معه يريدون "مسح الجميع". لا فرق عندهم بين فتح وحماس، بين مدني ومقاتل.

هم يظنون أنهم يستطيعون فرض السيطرة الكاملة على الفلسطينيين، وربما تمرير ما يسمى "حل الدولتين" كغطاء شكلي لواقع من الفصل العنصري والسيطرة.

س: هل يمكن أن نجد تمثلات لهذه الثنائية (الحل مقابل الحسم) على المستوى الإقليمي؟ هل يمكن القول إن التطبيع امتداد لفكرة "الحل"، بينما السياسة الأمنية والعدائية امتداد لمنطق "الحسم"؟

ج: نعم، إلى حد كبير. يرى بعضهم في التطبيع مخرجاً أو غطاءً لفكرة "الحل"، بينما ينظر اليمين الإسرائيلي إلى الصراع مع الإقليم، خصوصاً مع إيران، من زاوية الحسم.

بعض قوى اليمين يدعو إلى مشروع "إسرائيل الكبرى"، وبعضهم الآخر يتعامل بتكتيك أكثر براغماتية، لكنه في النهاية يهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.

س: في إسرائيل مقولة متكررة: "اليمين يفوز ولا يحكم"، في إشارة إلى أن مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش والقضاء، ما تزال تحت سيطرة اليسار أو التيار الوسطي. كيف انعكست هذه المسألة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟ وهل يمكن الحديث عن عملية "يمننة" لمؤسسات الدولة؟

ج: صحيح، هذه المقولة تعبّر عن جزء من الأزمة البنيوية في إسرائيل. فالدولة أسسها حزب "الماباي" اليساري، وبالتالي فإن مؤسساتها العميقة، كالجيش والقضاء، تظل متأثرة بذلك التكوين.

لكن خلال العقد الأخير، وخاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدأت تظهر ملامح واضحة لما يمكن تسميته "يمننة" لمؤسسات الدولة.

الجيش مثلاً، ما زال يحتفظ بحضور قوي للتيار الوسطي واليساري في الوحدات التكنولوجية والنخبوية، لكن الوحدات القتالية تشهد حضوراً متزايداً للصهيونية الدينية واليمين المتطرف.

في هذا السياق، يسعى نتنياهو، من خلال ما يُسمى "الإصلاح القضائي"، إلى تفكيك استقلال القضاء وتعزيز سلطته المطلقة.

وزير العدل المقرب منه شخصية أيديولوجية بحتة، وينظر للقضاء كعقبة في طريق "المشروع اليميني".

فكرة أن "اليمين يفوز ولا يحكم" ليست سوى غطاء يستخدمه نتنياهو لتبرير مشروعه السلطوي. الحقيقة أن اليمين اليوم يحكم ويريد أن يتحكم بكل شيء، وهذا ليس ديمقراطية، بل انزلاق واضح نحو حكم فاشي مقنّع.

أمريكا وراء كل شيء

س: هل تستطيع إسرائيل تحمّل حرب طويلة؟ وكيف تقيّم استجابة المجتمع الصهيوني للحرب؟

ج: العامل الأساسي الذي دفع المجتمع الصهيوني إلى التماسك هو حجم الضربة التي تلقّتها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والتي أشعرت الإسرائيليين بأنهم يدافعون عن أنفسهم وبيوتهم. هذا ما ولّد لديهم دافعاً للقتال بعنف، على الأقل في المراحل الأولى من الحرب.

العامل الثاني هو الدعم غير المشروط الذي تلقّته إسرائيل من المنظومة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الغربية، التي قدّمت دعماً سياسياً وعسكرياً وإعلامياً مكشوفاً وفجّاً.

ولولا هذا الغطاء الدولي، خصوصاً الأمريكي، لكانت المقاومة الفلسطينية قادرة على فرض شروطها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب.

س: وأنت الذي تشتبك مع الاحتلال سياسياً وعسكرياً ومعرفياً منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إلى أين تتجه إسرائيل؟

ج: من حيث المبدأ، ومن منظور تاريخي، الاحتلال والظلم لا يدومان، ما دام الشعب الفلسطيني صامداً وقادراً على دفع الأثمان. هذه قاعدة لا تتغير.

لكن في السياق الحالي، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن موازين القوى العالمية تميل بشدة لصالح الولايات المتحدة، ولا توجد قوة دولية أخرى تنافسها فعلياً. لذلك، فإن التنبؤ بتلاشي إسرائيل في ظل هذه الظروف يبدو غير واقعي.

هذا يفرض علينا كفلسطينيين، وعلى أحرار العالم، أن نتعامل مع وجود هذا الكيان كواقع طويل الأمد، ونبني استراتيجياتنا على هذا الأساس، دون وهم أو استسلام.

س: وماذا عن الوضع الداخلي في إسرائيل؟

ج: المجتمع الإسرائيلي يرزح تحت تناقضات بنيوية عميقة، أبرزها الصراع بين الدين والدولة.

انتهاء الحرب، إن حصل، سيكشف هذه التناقضات من جديد، وسيقود إلى صدامات داخلية حتمية، ربما تكون أكثر خطورة من أي تهديد خارجي.

صحيح أن الحرب أضعفت تلك التناقضات مؤقتاً، لكنها ستعود للسطح بقوة بعد الحرب، لأن التهديد الحقيقي اليوم يكمن في الداخل الإسرائيلي، لا في خارجه.

الصراع بين الدين والسياسة هو الأعمق، وليس فقط بين اليمين واليسار، لأن الخلاف حول الفلسطينيين يمكن استيعابه مرحلياً من خلال الوساطات والدعم الدولي، لكن التناقضات بين المكونات اليهودية نفسها هي التي تهدد تماسك المشروع الصهيوني.

س: هل يمكن تحديد اتجاه إسرائيل اليوم: نحو اليمين أكثر؟

ج: من الصعب الجزم. المجتمعات، خاصة في أوقات الحرب، تميل عادة إلى "الواقعية" وتدعو للحلول. في الانتفاضة الثانية، مثلاً، كان أريئيل شارون يقود إسرائيل، ومع ذلك أظهرت استطلاعات الرأي حينها دعماً واسعاً للحل السياسي.

أما في أوقات السلم، فيُخيّل للبعض أن الأمور مستقرة ولا داعي لتقديم تنازلات.

إسرائيل اليوم في حالة ارتداد إلى الداخل، تنغلق على نفسها، وتبتعد عن خطاب الاندماج في المنطقة الذي روّجت له سابقاً. بات الحديث عن "شرق أوسط جديد" خلفها، وحلّ محله منطق "المناطق العازلة" في غزة ولبنان وسوريا، والاعتماد المفرط على القوة العسكرية والأمنية.

س: لكن قبل الحرب، كانت إسرائيل تروّج لنفسها كقوة اقتصادية تكنولوجية يمكن التطبيع معها، فما الذي تغيّر؟

ج: هذا صحيح، لكن يجب أن نكون واضحين: السبب الأساسي في موجة التطبيع لم يكن "نجاح إسرائيل"، بل النفوذ الأمريكي.

الولايات المتحدة هي التي تضغط، وهي التي تفتح الأبواب، وليس لأن إسرائيل أصبحت دولة لا يمكن الاستغناء عنها.

المنطقة تتعامل مع إسرائيل لأنها مدعومة من واشنطن، وليس لأنها مثال يُحتذى. لذلك فإن مستقبل هذا الكيان مرهون بالموقف الأمريكي، الذي يحدد طبيعة التفاعل الإقليمي معه.

خلاصة القول: إسرائيل لا تريد سلاماً.

هي لا ترى في الفلسطينيين شريكاً، ولا في العرب محيطاً طبيعياً. مشروعها ليس الاندماج، بل السيطرة، وكل الوقائع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تعيد تأكيد هذه الحقيقة.

مصدر:TRT ARABI
اكتشف
بعد طلب هولندا مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية.. باريس: أمر مشروع ندعو لمدارسته
النرويج تنهي استثماراتها في شركة "باز" الإسرائيلية لدعمها المستوطنات بالضفة
جيش الاحتلال يهدم منزلًا في جنوبي الضفة الغربية ويواصل عدوانه في طولكرم.. ووفاة أسيرة سابقة
ويتكوف يصل إلى إسرائيل.. وعائلات الأسرى في غزة تطالب باتفاق خلال 24 ساعة
القسام تعلن الإفراج عن الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر اليوم
إسرائيل تُصدق على استئناف تسوية الأراضي في الضفة الغربية وسط رفض فلسطيني واسع
بعد محادثات ليومين.. اتفاق صيني-أمريكي بشأن الرسوم الجمركية
جماعة الحوثي تعلن أن طيراناً إسرائيلياً شنّ سلسلة غارات على محافظة الحُديدة
ترحيب بعزم حماس الإفراج عن ألكسندر.. ونتنياهو يزعم أن الاتفاق بلا  مقابل ومعارضوه يرمونه بالفشل
بعد اتصالات مع واشنطن.. حماس توافق على الإفراج عن الجندي عيدان ألكسندر في إطار جهود وقف إطلاق النار
"قلق من مواصلة البناء".. هيئة البث العبرية: الجيش لم يدمر سوى ربع أنفاق حماس بغزة
زيلينسكي يرى تفكير روسيا بإنهاء الحرب "علامة إيجابية" ويدعو لوقف النار من الغد
بعد جولة خليجية.. روبيو إلى تركيا برفقة ترمب لحضور اجتماع الناتو
الاحتلال يدّعي أنه "سيؤمّن" نقل المساعدات إلى غزة.. وحماس تتهمه بارتكاب "جريمة حرب مركبة"
أردوغان مهنئاً بعيد الأم: لا نستطيع رد جميلهن
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us