اغتالت طائرات الاحتلال الإسرائيلي أمس الاحد، الصحفي أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة، باستهداف مباشر بصاروخ أصابه وأربعة من زملائه في غزة برفقته، وذلك بعد أكثر من 22 شهراً من تغطيته لحرب الإبادة المستمرة على القطاع.
وبعد إعلان استشهاده، نشرت إدارة حسابه الرسمي على منصة "إكس" وصيته التي كتبها في أبريل/نيسان الماضي، وقد ودّع فيها العالم برسالة موجعة، وأوصى فيها بعدم نسيان غزة وفلسطين، والاستمرار في مقاومة الاحتلال حتى التحرير.
في كلماته الأخيرة، استعاد الشريف طفولته في أزقة مخيم جباليا، وحلمه بالعودة إلى عسقلان المحتلة، وروى تفاصيل وجعه وفقده، مؤكّداً أنه لم يتوقف يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، "بلا تزوير أو تحريف". وأوصى بأهله جميعاً، وخصّ زوجته وطفليه شام وصلاح، ووالدته التي وصف دعاءها بأنه كان حصنه ونور طريقه.
واختتم الشريف وصيته : "إن متُّ، فإنني أموت ثابتاً على المبدأ… لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم".
رحل أنس الشريف، لكن كلماته ستبقى، شاهدة على جريمة الاحتلال، ووصية لكل من يؤمن بالكرامة الإنسانية.
نص الوصية
"هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة. إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي. بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سنداً وصوتا ًلأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة (المجدل) لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهداً على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكناً ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةِ تاجِ المسلمين، ونبض قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم. أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، وألا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسوراً نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة. أُوصيكم بأهلي خيراً، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم. وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عوناً ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة. أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ إلى ما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي. أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.
وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان. أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سنداً بعد الله عز وجل.
إن متُّ، فإنني أموت ثابتاً على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى. اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نوراً يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي. سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل. لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول. أنس جمال الشريف 06.04.2025".