مع قدوم الصيف وإقبال السياح على تركيا من شتى أنحاء العالم، يتألق ميدان تقسيم، قلب إسطنبول النابض وتاريخها الحيّ.
وإسطنبول تعدّ إحدى أبرز الوجهات السياحية في العالم، ومنطقة جذب لمختلف أنواع النشاطات الرياضية والترفيهية، إذ لا يكاد يمر أسبوع في فصل الصيف تحديداً دون فعالية جديدة تجعلها محط الأنظار.
والسبت، استضافت المدينة نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، بين نادي مانشستر سيتي الإنجليزي وإنتر ميلان الإيطالي.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، سجلت إسطنبول رقماً قياسياً في عدد السياح القادمين إليها، إذ زار المدينة نحو 3 ملايين و480 ألفاً و630 شخصاً، فيما بلغ عدد السياح في مارس/آذار الماضي، مليوناً و206 آلاف و770 سائحاً، وفق بيان مديرية الثقافة والسياحة.
لماذا سُميّت المنطقة بـ"تقسيم"؟
يمكن أن تعرف مدى إقبال السياح على ميدان تقسيم من الطرق المؤدية إليه، إذ تشهد ازدحاماً كبيراً خلال ساعات النهار وحتى وقت متأخر من الليل، وحينما تسير فيه بتؤدة، تتناهى إلى مسامعك أصوات تتحدث بجميع اللغات.
وفي المنعطف الرئيسي بعد الميدان، يتفرع "شارع الاستقلال"، وهو شارع تاريخي طويل، يمتلئ بالبشر من جميع الأجناس، لمشاهدة طرازه المعماري الدافئ القديم.
وهناك، ترى محال تجارية توفر كل ما يحتاجه السائح في جولته، بالإضافة إلى الأسواق والحوانيت القديمة، وبائعي الشاي والذرة المشوية والكستناء المتناثرين بطول الشارع.
وعلى جوانب الطريق، يتراص فنانو الشوارع كل بضعة أمتار، يعزفون ويغنون، ويتحلق حولهم السياح يلتقطون لهم الصور الفوتوغرافية ويسجلون معهم مقاطع الفيديو المميزة.
ويعود مسمى "تقسيم" إلى وظيفة تلك المنطقة تاريخياً، إذ كانت منطقة لتوزيع المياه وتقسيمها على أحياء ومناطق المدينة، كما كانت تقع بالقرب منها ثكنة عسكرية عثمانية.
المسجد وسط الميدان
يحتضن الميدان في المنتصف مسجد تقسيم، أحد أهم المراكز الثقافية في إسطنبول، حيث يضم بجانب أماكن العبادة، مكتبة رقمية، وأماكن مخصصة للمطالعة والاستراحة، وباحة للمعارض.
وتبلغ مساحة الجامع الإجمالية 875 متراً مربعاً، بارتفاع يصل إلى 3 طوابق، إضافة إلى موقف سيارات يتسع لـ165 مركبة، ويرتفع المبنى أكثر من 20 متراً، وترتفع القبة قرابة 10 أمتار، فيما يبلغ ارتفاع المآذن أكثر من 30 متراً، ويتسّع لنحو 4 آلاف مصلّ في أقسامه المفتوحة والمغلقة.
ويعتبر مسجد تقسيم، فكرة تعود إلى أيام الحرب العثمانية الروسية بين عامي 1877 و1878، ثم طُرحت مجدداً في فترة حرب الاستقلال (1919-1923)، وحالت العراقيل دون بناء مسجد في الموقع سابقاً، حتى افتتاحه أخيراً عام 2021.
ثقافات تتجاور
ويقابل المسجد على الطرف الآخر من مدخل شارع الاستقلال، كنيسة الروم الأرثوذكس، المعروفة بـ"آيا تريادة" وبنيت في القرن التاسع عشر، وفق الطراز المعماري البيزنطي، وذلك في أيام حكم الدولة العثمانية.
وافتتحت الكنيسة عام 1880، وبنيت على مدخل شارع الاستقلال في إسطنبول، في الفترة التي شيدت فيها المنطقة، إذ تعتبر المنطقة من أقدم الأحياء التي بنيت في المدينة.
ويقع مقابل مسجد تقسيم "مركز أتاتورك الثقافي"، الذي افتتح في عام 2021 أيضاً، ويتضمن المركز قاعة أوبرا، تبلغ مساحتها 48 ألفاً و705 أمتار مربعة، مكونة من 4 أقبية وطابق أرضي، إضافة إلى 9 طوابق، وتتسع لألفين و40 شخصاً.
كما يضم المركز مسرحاً تبلغ مساحته 16 ألفاً و228 متراً مربعاً، ويتكون من 4 أقبية وطابق أرضي، إضافة إلى 5 طوابق، ويتسع لـ805 أشخاص.
وقبل يومين، شهدت تقسيم حضوراً للجماهير الإيطالية والإنكليزية، التي تدفقت على المنطقة لحضور النهائي الكروي الأوروبي الكبير، وجرت العادة أن تكون المنطقة أيضاً مركزاً لاحتفال الطرف الفائز في النهائيات التي تجري بإسطنبول.
لا تهدأ الحركة في ميدان تقسيم وشارع الاستقلال، ويكفي إذا شعرت بالوحشة خلال عطلتك، أن تذهب إلى هناك في أي وقت، لتسمع كل ركن يحدثك بلغته الخاصة، ويؤنسك.