سياسة
9 دقيقة قراءة
بعد الضربات الأمريكية ضد الحوثيين.. ما مصير اتفاق السلام في اليمن؟
في الوقت الذي يبدو فيه أنَّ الضربات الأمريكية-البريطانية ضد مواقع تابعة للحوثيين باليمن هي مجرّد عقاب للجماعة لكفّ يدها عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر، فإن هذا الملف يرتبط بشكل عضوي بملفّ الحرب المندلعة في اليمن منذ عام 2014
بعد الضربات الأمريكية ضد الحوثيين.. ما مصير اتفاق السلام في اليمن؟
قصف أمريكي وبريطاني يستهدف عدداً من المحافظات اليمنية / Others
5 فبراير 2024

رغم السعي المحلّي والدولي على إبقاء الحرب داخل حدود قطاع غزة، فإن تداعيات الحرب تتوسّع بشكل دراماتيكي مهدِّدة بإعادة اشتعال بؤر توتُّر في الشرق الأوسط لم تكد تحظى ببعض الهدوء. وبرز جنوب لبنان والجنوب السوري جبهتين فرعيتين لمعارك غزة، لكن جبهة بعيدة من هناك تعيش حاليّاً أجواء أكثر سخونة تهدِّد بإمكانية تأثير ذلك في ملفات أخرى.

وفي 11 يناير/كانون الثاني الماضي، دشّنت الولايات المتحدة، رفقة بريطانيا، باكورة ضرباتها ضد مواقع لجماعة "أنصار الله الحوثي" في اليمن، تحت إطار عملية أُطلق عليها "حارس الازدهار" لحماية خطوط التجارة الدولية في البحر الأحمر، بعد أسابيع من شن الجماعة هجمات ضد سفن تجارية مرتبطة بإسرائيل والغرب نصرةً للمقاومة الفلسطينية في غزة، ومنذ ذلك التاريخ شنّ التحالف الأمريكي-البريطاني -حظي بدعم دول لم تشارك في الضربات الثماني- هجماتٍ في مناطق سيطرة الحوثيين، آخرها يوم 22 يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي حين تبدو الضربات الأخيرة جزءاً من السلسلة السابقة، فإن مسؤولين أمريكيين قالوا لشبكة "CNN" إن الإدارة الأمريكية أطلقت على العملية الجديدة اسماً رمزياً هو "سهم بوسيدون" (Poseidon archer)، وإن الضربات السبع الماضية كانت مجرّد "تمهيد" للعملية الجديدة، التي أوضحوا أنها منفصلة عن تحالف "حارس الازدهار" في البحر الأحمر، ما يشير إلى "نهج أكثر تنظيماً، وربما طويل المدى لعمليات الولايات المتحدة في اليمن".

وفي الوقت الذي يبدو فيه أنَّ الضربات الأمريكية-البريطانية ضد مواقع تابعة للحوثيين باليمن هي مجرّد عقاب للجماعة لكفّ يدها عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر، فإن هذا الملف يرتبط بشكل عضوي بملفّ الحرب المندلعة في اليمن منذ عام 2014، وبشكل أوضح يرتبط بالمفاوضات بين الرياض والحوثيين، التي بلغت أوْجها في عام 2023، وعزَّزت وقف إطلاق النار في البلاد الذي كان قد مرَّ عليه نحو عام، ما أدى إلى دخول البلاد طوراً جديداً من الهدوء.

الرياض.. العصا من المُنتصف

وفي سبتمبر/أيلول 2023، رحَّبت السعودية بالنتائج التي وصفتها بـ"الإيجابية" للمحادثات التي أجريت في الرياض بين وفد من المفاوضين الحوثيين ومسؤولين سعوديين، واستهدفت الوصول إلى خارطة طريق تدعم عملية السلام في اليمن، في استكمال لمسار التفاهمات التي بدأت منذ عام 2022.

وحذَّرت جماعة الحوثي، عبر متحدثها العسكري قبل ضربات 11 يناير/كانون الثاني الماضي، من إتاحة دول الجوار مجالاتها الجوية لضرب اليمن، في إشارة شبه صريحة للجارتين السعودية والإمارات، اللتين دخلتا في خلاف غير مُعلن بشأن "ضربات محتملة ضد الحوثيين" كشفت أطرافاً منه وكالة بلومبرغ الأمريكية، التي أوضحت أن الرياض لا تشجِّع على اتباع الحلِّ العسكري مع الحوثيين، خشية التأثير في اتفاقات التهدئة باليمن، فيما اتجهت الإمارات إلى تأييد تلك الضربات بشكل غير مُعلن.

وأوضح تحليل أصدره "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، أن الضربات الأمريكية-البريطانية لم تحظَ بدعم جهات فاعلة إقليمية بارزة بقيت على الحياد، وعلى رأسها السعودية، التي تضمُّ أطول ساحل على البحر الأحمر ومدينة جدة الساحلية، "التي يمكن القول إنها الأكثر تضرراً من التهديدات التي يتعرض لها الشحن البحري في المنطقة".

لكن السعوديين -وفقاً للمركز- "في حالة حرب مع الحوثيين منذ ثماني سنوات، وهم الآن منخرطون في مفاوضات سلام بطيئة، ومن الواضح أنهم لا يريدون تعريضها للخطر".

وفي هذا الصدد يرى الخبير العسكري السعودي محمد صالح الحربي، أن المملكة تُعد من أكثر الأطراف المعنية بأمن البحر الأحمر، وأنها تنظر إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين بأنه "تحالف مؤقّت" وليس استراتيجيّاً.

ويقول الحربي في حديث لـTRT عربي إن "الولايات المتحدة ليست جادَّة في الوقت الحالي لإنهاء التهديدات الحوثية، والدليل أنها حذفت الجماعة (في 2021) من قوائم الإرهاب الخاصة بها".

ويعتقد أن "مسار المواجهات بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران وأذرعها من جهة ثانية، يحمل صفة شبه الانضباط، وبالتالي فإن السعودية ترى مصلحتها حاليّاً في مراقبة ما يجري وتقييمه دون التدخل فيه".

ولم تتأخّر الرياض عن التعليق على الضربة الأولى، إذ أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أكدت فيه المملكة "أهمية المحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر التي تُعد حرية الملاحة فيها مطلباً دوليّاً لمساسها بمصالح العالم أجمع"، لتدعو إلى ضبط النفس وتجنّب التصعيد في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث، وذلك في مسعى وسطيٍّ لعدم رضاها عن تهديد الملاحة بالبحر الأحمر، وفي الوقت نفسه عدم رضاها عن الضربات الغربية في اليمن.

ويفسر الصحفي السعودي، مبارك العاتي، البيان بأنه "حالة توازن من الرياض وإمساك العصا من المنتصف"، ويعتبر أن الدبلوماسية السعودية نجحت في خلق حالة من التوازن ما بين استمرار السلام مع الحوثيين بالتناسق مع استمرار الضربات الأمريكية التي رفضتها المملكة منذ البداية.

ويقول العاتي لـTRT عربي، إن السعودية رفضت الانضمام إلى عملية "حارس الازدهار" الأمريكية، للحفاظ على الجهود التي بذلتها للوصول إلى اتفاق السلام في اليمن.

ويضيف أن الرياض نجحت في إدارة التطورات الجارية بين التزامها التفاوض مع الحوثيين وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، مستبعداً أن يتأثر اتفاق السلام مع الحوثيين بأي "تطورات سلبية" جرّاء الضربات الأمريكية-البريطانية في اليمن، وأن يلجأ الحوثيون إلى نقض هذا الاتفاق.

ويعلّل العاتي هذا الرأي بأن الحوثيين لم يُبدوا موقفاً سلبيّاً من السعودية عقب الهجمات، إضافةً إلى الاتصالات المستمرة بين الرياض وطهران، التي وصفها بأنها "كفيلة بخلق حالة من الاستقرار المستدام في المنطقة، وتجنيب أمن الجزيرة العربية بأكملها أي تهديد من جماعة الحوثي"، واصفاً العمليات الأمريكية-البريطانية بأنها "جاءت في وقت خاطئ وغير مناسب".

ويشير إلى أن "الضربات ضد الحوثيين جاءت على ضوء استمرار القصف والعدوان الإسرائيلي لقطاع غزة وسفك الدم الفلسطيني.. فالقضية الرئيسية في الشرق الأوسط هي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ومتى ما انتهى هذا الاحتلال أعتقد، بل أجزم، أن كل البنادق ستسكت في كل مكان"، وفق العاتي.

عملية السلام باليمن "صامدة"

وتوقَّع تقرير حديث أصدره مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، أن الضربات الأمريكية-البريطانية في اليمن لن تنجح في تحقيق أهدافها المُعلنة، معتبراً موقف السعودية من تلك الضربات "غير مفاجئ" في ظل عدم ثقة الرياض بمجمل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إضافةً إلى خشية الرياض من تقويض اتفاق السلام مع الحوثيين أو أن يُقرأ تأييدها الضربات على أنه "تأييد صريح" لإسرائيل في حربها بغزة.

ولا تزال عملية السلام في اليمن بعيدة عن التأثر بالضربات الغربية رغم بعض المحاولات الإعلامية الإسرائيلية توريط المملكة بأنها "شاركت سرّياً" في دعم الضربات، وفق ما أعلنه الأكاديمي والصحفي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون الحربية إيدي كوهين.

وأكد كوهين في تغريدة على موقع "إكس" أن السعودية فتحت أجواءها أمام الطائرات الأمريكية والبريطانية لـ"تأديب الحوثيين"، مضيفاً: "نشكر المملكة العربية السعودية الشقيقة والصديقة التي فتحت لنا مجالها الجوي، الذي أتاح لنا قصف اليمن والحوثيين".

وهذا ما ذكره أيضاً موقع "0404" العبري، الذي كشف أن السعودية "دعمت الغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن، من خلال فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية".

ومما يعزّز فكرة عدم تأثير الضربات في اتفاق السلام باليمن، أن الضربات الأمريكية-البريطانية ضد الحوثيين لا تخرج عن كونها "اشتباكاً مُنضبطاً يجري وفق قواعد محدّدة"، وفقاً للخبير بالشأن اليمني، ياسين التميمي.

وفي حديثه مع TRT عربي، يستبعد التميمي أن تتحوَّل تلك الضربات إلى "حرب شاملة" ضد الحوثيين، مشيراً إلى أن الغاية منها فقط "الحدّ من قدرة جماعة الحوثيين على استهداف سفن غربية في البحر الأحمر".

ويوضّح أنه "لا نية أمريكية لتهديد الحوثيين وجوديّاً أو القضاء على نفوذهم باليمن"، لكنه على جانب آخر يعتقد أنه "لا ضمانات حول إمكانية أن تتصاعد الضربات لتصبح أكثر إيلاماً إذا ما استمر استهداف الحوثيين سفناً في البحر الأحمر، خصوصاً السفن الحربية".

ويتابع القول: "بالنظر إلى الموقف شبه الحيادي للسعودية تجاه أحداث البحر الأحمر، فليس من المتوقع أن يغيّر الحوثيون موقفهم سلبيّاً تجاه المملكة، وسيحدث ذلك لو صعَّد الأمريكيون هجماتهم القاتلة والمؤذية ضد الحوثيين".

ويتوقع التميمي أن ذلك قد يدفع الحوثيين إلى دفع الأمور نحو التعقيد باستهداف مصالح أمريكية في السعودية وغيرها من دول الخليج، "وهذا غالباً سيحدث عبر إسناد من إيران يجري كالعادة باسم الحوثيين"، وفق تعبيره.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
"تلتزم تحقيق السلام مع لبنان".. المبعوث الأمريكي يدافع عن إسرائيل رغم اعتداءاتها المتواصلة
البرغوثي: نواجه مخططات تطهير عرقي ضد الفلسطينيين.. وأمريكا تواصل انحيازها الكامل لإسرائيل
مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض احتجاجاً على زيارة نتنياهو
جيش الاحتلال يعلن اعتقال خلية يزعم أنها تتبع فيلق القدس الإيراني جنوبي سوريا
ترمب يتوعد الدول المتحالفة مع بريكس برسوم جمركية إضافية بنسبة 10%
ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في تكساس إلى 82 قتيلاً وسط استمرار البحث عن مفقودين
ترمب: أمامنا فرصة جيّدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غزة هذا الأسبوع
قادة "بريكس" يدعون إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية ويُدينون الهجمات على إيران
القسام تستهدف تجمعات لجيش الاحتلال بخان يونس وتقصف مستوطنتين محاذيتين لغزة
بلا نتيجة حاسمة.. انتهاء الجلسة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل
جيش الاحتلال يستهدف مواني ومحطة كهرباء في اليمن والحوثيون يعلنون التصدي للهجوم
الضفة.. شهيدان في نابلس وإخطارات بالهدم في الخليل و296 انتهاكاً إسرائيلياً في سلفيت
الدوحة.. جولة مفاوضات جديدة غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لأجل وقف إطلاق النار في غزة
"بملايين الدولارات".. تقرير بريطاني: شركة أمريكية تخطط لتهجير فلسطينيي غزة عبر المساعدات الإنسانية
عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب باتفاق شامل تزامناً مع مفاوضات الدوحة
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us