شهد القرن الحادي والعشرون ظهور عالم جديد من الحروب، يتمثل في الطائرات المسيّرة، التي أحدثت ثورة في طريقة استخدام القوة لدى الدول وإجراء الاستطلاع والانخراط في الصراعات.
وتجاوزت الطائرات بلا طيار دورها الأولي أدوات مراقبة للتحول إلى أدوات حرب هائلة. وكان هذا التحول ملحوظاً بشكل خاص في الحرب الأوكرانية المشتعلة منذ أكثر من عام، إذ أدى التقدم في تكنولوجيا الطائرات بلا طيار إلى تطوير مجموعة واسعة من الأنظمة غير المأهولة، من طائرات الاستطلاع بلا طيار مروراً بمسيّرات الكيماكزي وصولاً إلى الطائرات المسلحة القادرة على توجيه ضربات دقيقة.
وفي هذا السياق، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع استراتيجي ضد الصين، القوة العالمية الصاعدة ذات القدرات العسكرية المزدهرة. ومع تصاعد التوترات، يبرز سؤال محوري: كيف تخطط أمريكا لمواجهة التفوق العسكري الصيني باستخدام تكنولوجيا الطائرات بلا طيار؟
خطة أمريكية
أعلنت نائبة وزير الدفاع الأمريكي كاثلين هيكس الاثنين أن الولايات المتحدة تعتزم نشر آلاف الطائرات المسيّرة خلال العامين المقبلين لمواجهة التفوق الكمّي العسكري الصيني. وفي معرض حديثها، أشارت هيكس إلى خطة البنتاغون التي تحمل اسم (Replicator)، وتهدف إلى مساعدة واشنطن في التغلب على الميزة الأكبر التي تتمتع بها الصين، وهي "التفوق العسكري الكمّي". فهي تملك عدداً أكبر من السفن والصواريخ والجنود.
وقالت هيكس أن الولايات المتحدة تعتزم مواجهة التفوق العسكري الكمّي الصيني بتفوّق كمّي خاص بها "لكن التخطيط للتفوق العسكري الكمي بأمريكا سيكون صعباً، واستهدافه وهزيمته ستكونان أصعب"، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
وأشارت خلال مؤتمر للتقنية العسكرية في واشنطن الى أن هدف وزارة الدفاع الأمريكية هو "نشر أنظمة مستقلّة مستنزِفة بمقدار آلاف، في مجالات مختلفة، خلال الأشهر الـ18 إلى الـ24 المقبلة".
وتقول الولايات المتحدة إن الصين تمثل التحدي الأكبر لها وتسعى لردع الصراع مع بكين، وبخاصة بشأن جزيرة تايوان الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي.
صعود الصين
وحسب هيكس، فيما أهدرت أمريكا الدماء والأموال على مدار 20 عاماً من الحرب في العراق وأفغانستان، عملت جمهورية الصين الشعبية بتركيز وتصميم على بناء جيش حديث، وصياغته بعناية لإضعاف المزايا التشغيلية التي استمتع بها العالم لعقود من الزمن.
ونمت القدرات العسكرية للصين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما أثار المخاوف بين جيرانها والقوى الغربية. ومع التحديث السريع لجيشها، نجحت الصين في تطوير صواريخ باليستية متقدمة مضادة للسفن، وطائرات شبح، وأسطول بحري هائل. ومع ذلك، فإن دمج تكنولوجيا الطائرات بلا طيار في استراتيجيتها العسكرية جدير بالملاحظة بنفس القدر.
وقامت الصين باستثمارات كبيرة في تطوير الطائرات بلا طيار لأغراض الاستطلاع والقتال. وعرض جيش التحرير الشعبي الصيني مجموعة من الطائرات بلا طيار، بدءاً من نماذج المراقبة إلى الطائرات المسلحة القادرة على توجيه ضربات دقيقة. وأدى هذا التوسع في قدرات الطائرات بلا طيار إلى تزايد المخاوف بشأن قدرة الصين على تحدي الهيمنة العسكرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ.
منافسة تستلزم "إذكاء نيران الابتكار"
حسب نائبة وزير الدفاع الأمريكي، فإن وزارة الدفاع لديها دائماً ضرورة الابتكار، إذ ما من شك في السبب وراء اكتساب هذه الضرورة الملحة بشكل أكبر في السنوات الأخيرة. وذلك، لأن المنافس الاستراتيجي الرئيسي الذي نواجهه اليوم يختلف عن المنافس الذي واجهناه خلال الحرب الباردة، إذ كان بطيئاً ومتثاقلاً نسبياً مقارنة بجمهورية الصين الشعبية في الوقت الحاضر، وفقاً لخطاب نشرته وزارة الدفاع الأمريكية.
وأشارت إلى أن "الميزة الوحيدة التي لا يمكنهم أبداً إضعافها أو سرقتها أو تقليدها، بغض النظر عن مدى صعوبة محاولتهم، لأنها متأصلة في شعبنا، هي البراعة الأمريكية وقدرتنا على الابتكار وتغيير اللعبة وفي المجال العسكري على التخيل، فضلاً عن خلق وإتقان الطابع المستقبلي للحرب".
وأضافت قائلة: "نحن لا نسعى إلى سحق الابتكار أو السيطرة عليه، أو جعله يتماشى مع خط الحزب (في إشارة إلى الحزب الشيوعي الصيني). وبدلاً من ذلك، فإن هدفنا هو زرع بذور الابتكار وإشعاله وإذكاء نيرانه".
توظيف الذكاء الصناعي
حسب مجلة بوليتيكو، تستثمر ميزانية الدفاع للعام المالي 2024 نحو 1.8 مليار دولار في قدرات الذكاء الصناعي والتعلم الآلي، لمواصلة التقدم في التحديث والابتكار. وسوف يتغير ذلك بمرور الوقت إذ يدمج البنتاغون التكنولوجيا بشكل فعال في طريقة عمله.
ومن أجل البقاء في المقدمة، تسعى الولايات المتحدة لإنشاء حالة جديدة من التقدم، تماماً كما فعلت من قبل، من خلال الاستفادة من الأنظمة المستقلة القابلة للتخصيص في جميع المجالات، التي تكون أقل تكلفة، وتضع عدداً أقل من الأشخاص في خط النار، ويمكن تغييرها أو تحديثها أو تحسينها بمهلات زمنية أقصر بكثير.
وعلى ضوء تتنافس أمريكا والصين على تشكيل مستقبل القرن الحادي والعشرين، من الناحية التكنولوجية وغيرها، كشفت صحيفة نيويورك الأمريكية عن إنتاج جيل ثانٍ من المسيرات التي تعمل بالذكاء الصناعي قادرة على تنفيذ عمليات قتالية متنوعة.
بالمقابل، يستعد للجيش الصيني لنشر طائرة تجسس بلا طيار تحلق على ارتفاعات عالية وتسافر بسرعة تبلغ ثلاثة أضعاف سرعة الصوت على الأقل، وفقاً لتقييم عسكري أمريكي مسرب، وهو تطور من شأنه أن يعزز بشكل كبير قدرة الصين على إجراء عمليات المراقبة، وفق ما نقلته صحيفة واشنطن بوست.