ازدادت موجة لجوء السوريين باتجاه الحدود التركية بشكل كبير تزامناً مع تكثيف الطيران الروسي غاراته على مناطق خفض التصعيد، وتحديداً مدينة إدلب وأريافها، فيما ازداد عدد القتلى والجرحى من المدنيين جراء هذا القصف، بالإضافة إلى قصف قوات النظام السوري والمليشيات المدعومة إيرانيّاً، وعملياتها البرية التي سيطرت خلالها على عشرات القرى.
ميدانيّاً يذهب الوضع في إدلب وتلك المناطق نحو كارثة الإنسانية. يوضح وائل الحجار مراسل TRT عربي على الحدود السورية التركية، أن الساعات القليلة الماضية حملت تطورات متسارعة، إذ سيطرت قوات النظام السوري على بلدة جرجناز التي تقع شرقي معرة النعمان، حيث استبَقت القوات تقدُّمها إلى البلدة بقصف عنيف طال مناطق جنوب شرق إدلب، محرزة تقدماً جديداً على تلك الجبهة.
وتشير المعلومات الأخيرة إلى أن قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي سيطرت على بلدة تل منس البعيدة خمسة كيلومترات عن معرة النعمان، بالإضافة إلى السيطرة على قرية الغدفة شمال جرجناز، حسب المراسل.
ومنذ بدء الهجوم البري لقوات النظام وحلفائه في 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري حتى الاثنين، سيطرت قوات النظام السوري وروسيا والمليشيات المدعومة إيرانيّاً، على 26 قرية، فبعد سيطرة النظام على مدينة خان شيخون، اتجهت الأنظار إلى معرة النعمان التي تليها مباشرة مدينة سراقب ثم مدينة حلب.
وقتل أكثر من 1300 مدني جراء هجمات النظام وروسيا على منطقة خفض التصعيد، منذ 17 سبتمبر/أيلول 2018.
مجزرة كبيرة تُنَفَّذ في إدلب حاليّاً، والنظام السوري وحلفاؤه يستهدفون المدنيين، وهناك مشكلة هجرة كبيرة، ونحن نطرح هذا الأمر باستمرار مع البلدان التي نتباحث معها، فمسألة الهجرة لن تبقى محدودة في سوريا وتركيا
وتشهد معرة النعمان قتالاً عنيفاً وقصفاً متواصلاً، وأصبحت الآن شبه خالية من السكان، بعدما كان يقطنها قبل تجدُّد الحملة الأخيرة 80 ألف مدني، حسب الدفاع المدني السوري وحسب الأهالي النازحين.
نازحون بالآلاف
ويقول مراسل TRT عربي إن دماراً شاملاً في تلك المناطق، لذلك دعت قوات المعارضة السورية وهيئة أركان الجيش الوطني إلى الاستنفار وجمع الجهود لصد هذه الهجمة، مشيراً إلى أن القتال ما زال دائراً وحركة النزوح كبيرة جدّاً.
ويضيف: "عشرات آلاف النازحين الذين توجهوا إلى الأرياف الشمالية لمحافظة إدلب باتجاه الحدود السورية التركية توزعوا على مخيمات عشوائية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية".
من جانبه يشير نائب المدير العامّ للدفاع المدني السوري منير مصطفى في حديث لـTRT عربي، إلى أن ما يحصل الآن في إدلب هو جريمة إنسانية بحق الشعب السوري، مؤكداً نزوح مئات آلاف من الأشخاص باتجاه المخيمات التي بحاجة إلى مساعدات إنسانية بسبب فصل الشتاء.
175 ألف شخص في منطقة معرة النعمان وريفها يغادرون منازلهم بسبب القصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين مباشرةً
ويضيف: "استُهدفَ معظم المشافي الميدانية والطواقم الطبية، وتُضطرّ فرق الإسعاف والدفاع المدني إلى نقل المصابين إلى مناطق بعيدة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الإصابة أو فقدان الجريح حياته، بالإضافة إلى أن القصف أفقد الطواقم الطبية كثيراً من المعدات الطبية اللازمة لإسعاف الجرحى".
وطالب الائتلاف الوطني السوري المجتمع الدولي بالسعي لوقف الإبادة الجماعية في إدلب، مشيراً إلى أن فرق الدفاع المدني والخوذ البيضاء تعمل في ظلّ أوضاع ومخاطر غير مسبوقة.
من جانبه يقول رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، إن "مجزرة كبيرة تُنفَّذ في إدلب، وإن نظام الأسد وحلفاءه يستهدفون المدنيين، وهناك مشكلة هجرة كبيرة، ونحن نطرح هذا الأمر باستمرار مع البلدان التي نتباحث معها".
ويؤكّد أن "المنطقة تشهد مأساة إنسانية كبيرة في المنطقة"، ويشدِّد على ضرورة أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف هذه المأساة. ولفت إلى أن الهجمات على إدلب تستهدف المدنيين والنساء والأطفال، وأن القصف يطال الطرق الرئيسية للهجرة.
ماذا تريد روسيا؟
لا تفكر روسيا مرتين قبل قصف الممرات التي يسلكها النازحون الفارُّون من الهجمات، نحو المناطق القريبة من الحدود التركية، في الوقت الذي يواصل فيه النظام غاراته على مناطق عديدة في محافظة إدلب. ورغم التحذيرات الدولية من مغبة الهجوم على إدلب، في ظل احتضانها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، لا تكترث موسكو بالعواقب وتستمر في هجومها.
ولم تجد جميع الدعوات والتحذيرات صدى لدى موسكو التي ضربت ب دعوة الولايات المتحدة إلى احترام التزاماتها وإنهاء "التصعيد" في منطقة إدلب عرض الحائط، وتحذير الاتحاد الأوربي من مغبة التصعيد في محافظة إدلب وشمال حماة، وبيان الاتحاد الأوربي الذي دعا إلى احترام اتفاق خفض التصعيد في سوتشي وأستانا.
يقول الخبير العسكري أديب عليوي في حديث لـTRT عربي، إن "روسيا تحتلّ سوريا احتلالاً كامل الأركان، والنظام السوري يتبع روسيا ويعتبر الذراع العسكرية لها وينفذ أوامرها ولا يمكن أن تُطلق طلقة دون إذن من موسكو، وهذا يبرز تساؤلاً حول ما تريده روسيا من قصفها هذا؟".
ويشير عليوي إلى أن روسيا عادت لاستخدام سياسة الأرض المحروقة، ولم تغيِّر خطتها العسكرية المستخدمة منذ دخولها سوريا عام 2015، ومِن ثَم فهي تدمّر الآن كل القرى والمدن لتهجير المدنيين وطردهم خارج المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ومن ثم تتقدم بهدوء على الأرض دون صدام مع الثوار ودون معارك برية كما يحدث الآن".
ويقول عليوي: "يحمل التصعيد الذي يستهدف شمال غربي سوريا دلالات عسكرية كثيرة، أبرزها أن روسيا تحاول السيطرة على الطريق الدولي الواصل بين حلب ودمشق كخطوة أولى، وللسيطرة عليه مرتكزان أساسيان: السيطرة على معرة النعمان والسيطرة على سراقب".
ويتحدث الخبير العسكري عن السيناريو المقبل قائلاً: "ستكون المرحلة الأولى خان شيخون، ثم معرة النعمان، ومن سراقب إلى مدينة حلب، ليتحقق الهدف الأساسي من هذه الهجمة".
من جانبه يقول الكاتب محمود عثمان في تحليل نشرته وكالة الأناضول، إن "موسكو ونظام الأسد وإيران بارعون في الالتفاف على الاتفاقيات المتوصل إليها، من خلال اختلاق تفسيرات مختلفة ومخالفة لنص وروح الاتفاق وادّعاءات كاذبة".
وقبل أيام أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن 50 ألف شخص يتوجهون من محافظة إدلب نحو الأراضي التركية، وأوضح أردوغان أنه "يتوجه حاليّاً 50 ألف شخص من إدلب نحو أراضينا، وفي بلادنا بالفعل 4 ملايين لاجئ، وقد يزداد هذا العدد".
وأضاف أردوغان: "عند الحديث عن تأسيس منطقة آمنة شمالي سوريا، لا تقدم البلدان الغربية أي دعم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأسلحة فإنهم يرسلونها إلى المنظمات الإرهابية".
يشار إلى أن وفداً تركياً تَوجَّه إلى روسيا الأحد لبحث الأوضاع في ليبيا، وكذلك الأوضاع في سوريا في ضوء ما تشهده مدينة إدلب.