عليزة مسلمة ملتزمة تغطي رأسها بالحجاب، وتناقشت مع زوجها بشأن إرسال ابنتهم البالغة من العمر سبعة أعوام إلى مدرسة إسلامية، لكنهما قرّرا ألا يفعلا ذلك.

قالت عليزة لـTRT: "سمعنا قصصاً عن أن الأطفال في هذه المدارس يكبرون في فقاعة، ويواجهون العديد من المشاكل حين يذهبون إلى الجامعة".

"على كلّ حال، أشعر بأنّ التعليم الديني يبدأ مِن المنزل، والإسلام بأساسٍ أسلوبُ حياة. لا تكفي قراءة بعض الكتب. إنّ الإسلام يرشدنا إلى ما ينبغي فعله في حياتنا اليومية".

يتضمن ذلك الروتين إدخال استعمال التعبيرات العربية وأداء الصلاة في الحياة اليومية. وبصفتها أم مسلمة، ترغب في أن يُحيّي الأطفال بعضهم بعضاً بعبارة السلام عليكم، ويسمّون اللهَ قبل البدء في تناول الطعام، وقول إن شاء الله حين العزم على أداء مهمة ما.

يحدث هذا بصورة طبيعية غالباً، خاصة وأنّ الكثير من المسلمين يفضّلون قضاء الوقت مع عائلات مسلمة أخرى تشاركهم العادات والثقافة، وفقاً لعليزة.

لكنّ الأطفال في سن الحضانة يقضون ساعاتٍ طوالاً أمام التلفاز أو جهاز آيباد، ويتعلمون منه كل شيءٍ من القراءة إلى العد، وكذلك عاداتٍ أخرى. تقول عليزة: "هناك الكثير من الهراء على يوتيوب هذه الأيام".

لذا عندما حان الوقت للقاءٍ حتمي بين أطفالها وعالم يوتيوب، قررت أنّ عليها مشاهدة "عُمر وهَنا"، مسلسل الرسوم المتحركة الذي يتمحور حول موضوعاتٍ إسلامية.

"عند تحميل حلقةٍ جديدة، أشجّع أطفالي على الجلوس ومشاهدتها. إنه برنامج تفاعلي جداً. فهو يستعمل الأغاني في إيصال رسائله. حتى ابني البالغ من العمر عامين الذي يُشاهد أغاني الأطفال مُرتبطٌ بها".

مسلسل الرسوم المتحركة يدور حول شقيقين مسلمين، وصنعته شركة Digital Durian الموجودة في ماليزيا. حصلت حلقات المسلسل على أكثر من 3.2 مليار مشاهدة في أنحاء العالم، ويشاهده الناس في أكثر مِن 50 بلداً.

إلى جانب عُمَر وهَنَا، ظهر مفتي زيمبابوي الشهير، إسماعيل بن موسى منك، الذي له 7 ملايين متابع على تويتر. وتعاون صنّاع المسلسل أيضاً مع أسماء كبرى مثل زين بيكا، ويتعاونون الآن مع العالم الأمريكي الشهير عُمر سليمان.

ومفهوم استعمال الشخصيات والموضوعات الإسلامية في أعمال الكرتون ليس جديداً، خاصة في بلدان مثل مصر، حيث يوجد تاريخ امتدّ لعقودٍ من الرّسوم المتحركة العربية لتعليم الأطفال.

لكن في الأعوام القليلة الماضية بدأ المحتوى عالي الجودة الذي يستهدف المتحدثين بالإنجليزية في الظهور. فقد ظهرت الأغنية الرمضانية الجميلة للمغنية الإنجليزية كات ستيفنز، ورسوم الكاريكاتير التي تستعمل الحيوانات Zaky and Friends، التي تستكشف الغابات، وتمزج بين التمشية في المساحات الخارجية والإسلام، وهناك عُمر عيسى وأغنيته الجذابة جمعة مباركة.

النجوم تولد

انطلق عُمر وهَنا في البداية للسوق الماليزية في 2017، لكنّ صُنّاع العمل استهدفوا دوماً أن يصل إلى العالمية، وفقاً لسنان إسماعيل، المدير التنفيذي وأحد مؤسسي Digital Durian.

"تطلّب الأمر ستة أشهر مِن الأبحاث فقط للتفكير في الأسماء".

عُمر اسمٌ إسلامي بوضوح، وصنّاع العمل استعملوا اسم هَنا للبنت لإعطائه جاذبية عالمية.

لشركة Digital Durian خبرة مع الرسوم المتحركة قبل خروجها بعُمَر وهَنا. فبرنامجها باللغة الماليزية "ديدي والأصدقاء" Didi and Friends، الذي تظهر فيه دجاجة ملونة تغني أغاني الأطفال، بدأ عرضه في 2014. وقد صارت للبرنامج شعبية واسعة.

ويقول سنان إنّ بعض الآباء أشاروا إلى أنّ "ديدي والأصدقاء" يجب استخدامه في تعليم الأطفال الإسلام. "لكنّ الواقع هو أننا لا يمكن أن نعرض دجاجة تؤدي الصلوات، فنحن بحاجة إلى أشخاصٍ حقيقيين لذلك".

وجاءت الدفعة الأخيرة لدخول سوق الرسوم المتحركة ذات الموضوعات الإسلامية بعد انضمام فضيلة رحمن، بخبرتها في الترويج للعلامات التجارية، إلى شركة Durian لتشغل وظيفة منتجة في 2017.

قالت رحمن: "قبل Durian، كنت أعمل في شركة بث تحاول إيجاد رسوم متحركة إسلامية للأطفال، لكن لم نجد شيئاً. وهذا مع أن الطلب عليها كان عالياً".

فالرسوم المتحركة المتاحة في ماليزيا وجارتها إندونيسيا كانت تركّز على نشر تعاليم الإسلام أكثر من جذب انتباه الأطفال، وفقاً لها.

"إنْ لم يهتمّ الأطفال بمشاهدة شخصياتك، لا تهمّ التعاليم التي تضعها في البرنامج. والمحتوى الذي يقدر على الاستحواذ على انتباه الطفل كان شحيحاً".

قضى الفنانون وآخرون من المسؤولين عن البرنامج أشهراً يحاولون معرفة كيف ينبغي أن يبدو عُمر وهَنا. وفي النهاية، صمموا الأخوين في الرابعة إلى السادسة من العمر، بطريقة تجعلهما يبدوان آسيويين بقدر ما يبدوان أوروبيين.

وتقول رحمن: "نعرف أنّ الأطفال تعجبهم الأعين المستديرة والرؤوس الكبيرة. لذا جعلنا هنا فتاة لطيفة ممتلئة الخدّين، وعُمر يرتدي سترة وقبعة. فعلينا أن نصممهما بحيث يمكن للأطفال من كل بلدٍ التعلّق بهما".

استشار صنّاع البرنامج بانتظام علماء الشريعة للحصول على نصائحهم في أمورٍ من بينها إن كان على هَنا ارتداء الحجاب.

وتُكمل رحمن: "استقررنا على أن هنا لن ترتدي الحجاب، وستكون مثل أي طفلة أخرى تستمتع بطفولتها. وفي الوقت نفسه، حين تتوجه إلى المسجد أو دروس القرآن، ترتدي الحجاب. وبذلك يصبح الحجاب عملية تدريجية".

امتدّ المسلسل لعدّة مواسم، أغلبها دار حول عُمر وهَنا ووالديهما. وفي بعض الحلقات، يظهر الأب ويُحتفى به لدوره في كسب القُوت لعائلته، حتى وإن توجب عليه إلغاء نزهة في اللحظة الأخيرة بسبب عمله. وفي أحيان أخرى، تظهر الأم بطلةً تحتاج إلى استراحة، وتترك الوالد ليعتني بالأطفال، ليدرك مدى صعوبة هذه المهمة.

لكن من بين الحلقات التي أثارت الكثير من الجدل وحصلت على ملايين المشاهدات حلقة صوفي، الولد اليتيم وصديق عُمر وهَنا. مات والدا صوفي، وهو وحيد يبكي ويغني أغنية حزينة:

أفتقدكما كثيراً

يا أمي وأبي العزيزين

لطالما كنتما تعاملانني بالحبّ والود

يا الله، فليصلهما دعائي

فالدعاء لهما كل ما في استطاعتي

يقول سنان، المدير التنفيذي: "بعض الناس وجدوا مشكلة في هذه الحلقة. لكن مستشارنا التعليمي قال إنه لا ضير على الإطلاق من ظهور طفلٍ يبكي، فتلك مشاعر إنسانية".

البرنامج متاحٌ بالماليزية والإنجليزية والعربية، ومن الممكن مشاهدته بالأوردو في رمضان. وتجمع شركة Digital Durian التمويل لإصدار تركي.

أكبر الأسواق الدولية لعُمر وهَنا هو المملكة المتحدة، وبعدها الولايات المتحدة وباكستان والهند.

لكن لطالما عبّر الآباء عن مخاوفهم، خاصة في أثناء الجائحة، من قضاء الأطفال وقتاً أطول من اللازم أمام التلفاز، بغضّ النظر عما يشاهدونه.

يقول سنان: "لا إجابة لدي عن عدد الساعات أو الدقائق المسموح بها. ما أفعله شخصياً هو التحكّم بالأجهزة وضبط مؤقتٍ لأطفالي، 30 دقيقة في المرة الواحدة مثلاً. الإسلام يعلمنا الوسطية. فالإسراف في أي شيءٍ مضر".