العالم
5 دقيقة قراءة
"بالحلوى وزمزم".. كيف يحيي المغاربة يوم عاشوراء؟
يخلد المغاربة يوم عاشوراء من كل سنة باحتفالات شعبية متجذرة من القدم، تتخطى رمزية اليوم الدينية لتجعل منه خصوصيَّة ثقافية مغربيَّة.
"بالحلوى وزمزم".. كيف يحيي المغاربة يوم عاشوراء؟
تطبل الفتيات ويرقصن محتفلات بحرية يوم عاشوراء في احتفالاته الشعبية بالمغرب ( Plurielle)  / Others
7 أغسطس 2022

لا خلاف حول الأهمية الدينية العميقة ليوم عاشوراء، العابرة للطوائف بل حتى العابرة للديانات، فهذا اليوم عند المسلمين هو اليوم الذي نجى اللهُ فيه موسى عليه السلام وقومَه، وأغرقَ فرعون ومن معه. كما يحمل في كنفه عدداً كبيراً من السرديات بين الديانات والطوائف، فمنها ما تعتبره يوم توبة آدم عن خطيئته الكبرى، وأخرى تقول بأنه يوم نجاة نوح من الطوفان، أو يوم عودة يوسف إلى أبيه الكفيف، أو يوم خروج يونس من بطن الحوت، وعند المذهب الشيعي يوم مقتل الإمام الحسين في موقعة "كربلاء" المشهورة.

كل هذه الرمزيات الدينية تحضر في عادات احتفال المغاربة بهذا اليوم، وأكثر، حيث يعتبرونه يوم احتفال شعبي، يتعدى صفته الدينية إلى طقوس اختص بها أهل البلد ولها وقعها الخاص في ذاكرة المغاربة، إذ يُعِدون لها العدة منذ أول أيام محرم حتى انقضاء العاشر منه.

طقوس متجذرة

وكما هي رمزياته العديدة، فلدى المغاربة تسميات لا تقل عدداً ليوم عاشوراء، فينادونه بـ"العاشور" و "أمعشور" و"تامعشورت" و"ئمعشار " و"تاعشورت" و"بوكفُّوس" و"أوداين عاشور". وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق هذا اليوم داخل الثقافة المغربية، جاعلين منه احتفالاً بطقوس تعود جذورها إلى حقبة ما قبل الفتح الإسلامي.

تبدأ هذه الطقوس من فاتح محرم حيث يعم الرواج أسواق المملكة، التي تزدهر بسلع مخصصة لهذا الاحتفال، من "فاكيه" (فواكه جافة) إلى آلات موسيقية نقرية كالدفوف والطبلات التقليدية، وألعاب نارية وألعاب الأطفال على تنوعها، إلى أدوات السحر والشعوذة لنسوة من عطور ومباخر.

كل ذلك إعداداً لاحتفالات تبدأ ليلة اليوم التاسع من محرم، حين يجتمع الشباب والأطفال في دروب المداشر والمدن المغربية، يجمعون الحطب وهم يرددون لازمة توارثوها أباً عن جد، مفادها "طايفة تمشي وتجي على قبر مولاي علي". ومع حلول المساء تُنصب "الشعالة" (محرقة)، يتحلق الفتية والصبايا حولها يرقصون وينشدون أهازيج الاحتفال كما كان أجدادهم يفعلون في سابق العهد، ويتنافسون مع أقرانهم في الأحياء الأخرى على من منهم "شعالته" أكبر، ومن منهم تدوم نارها مدة أطول.

يوم عاشوراء يقام طقس "زمزم"، وهو عبارة عن حفلة تراشق بالماء تبدأ غالباً داخل البيوت، ثم تنتقل إلى الشارع العام في صخب صرخات الشابات الفزعات وقهقهات الشبان الساخرين. لا تتوقف احتفالات يوم عاشوراء عند هذا الطقس بل يتحول من المجال العام إلى الخاص، إذ تجتمع العوائل حول موائد الكسكس والفواكه الجافة، بعدها يعود إلى الشارع في أمسيات نسوية، فتطبل الفتيات ويرقصن محتفلات بحرية يوم عاشوراء مرددين أهازيج "هذا عيشور ما علينا حكام، في سيد الميلود (ذكرى المولد النبوي) يحكم الرجال".

ولا ينتهي الاحتفال في ذلك اليوم، ممتداً إلى الحادي عشر من محرم، حين يخرج الصبية من بيوتهم مرفوقين بـ"بابا عاشور" أو "الشايب عاشور"، الشخصية الأسطورية التي تتجسد يومها بين موكب الصغار، يمشي بينهم مطالباً بحقه في "فاكيه" اليوم والحلوى، لتُغدَق عليه العطايا من كل بيت يمر به، وفي القرى تتمسح به النسوة إيماناً منهن ببركته وقدراته العلاجية.

رمزيات طقس عاشوراء

غالباً ما يعتقد أن تخليد عاشوراء خاص في العالم الإسلامي بالطائفة الشيعية، ما يجعل العديد ينظر بعين الريبة إلى احتفال شعب سني، كالمغاربة، بهذا اليوم. غير أن هذه الاحتفالات، ومع حفاظها على رمزيات اليوم الدينية المتعددة، كون البلاد عرفت التشيع عبر مرور العبيديين بها، كما يعتنق جزء مهم من شعبها الديانة اليهودية، تنفصل عن هذه الرمزية على مستوى الطقوس الذي يتعدى ذلك تاريخياً ورمزياً.

حيث يتفق الأنثروبولوجيون الذين درسوا معتقدات وطقوس شعب المغرب، وعلى رأسهم إدوارد فيستمارك، على أن الإيمان الشعبي المغربي يختلف بشكل جذري عن الإيمان الديني الأورثوذوكسي. حيث تتخلله العديد من المعتقدات التي تمتد إلى حقبة ما قبل الإسلام، "تحضر فيه الممارسة السحرية، والبركة والعين الشريرة، وتقدَّس فيه كائنات ما ورائية مثل الجن والأرواح الشريرة والصُلَّاح (الأولياء الصالحين)".

ويتحدث فيستمارك في كتابه "طقوس ومعتقدات المغاربة" كذلك عمَّا أسماه "البقايا الوثنية"، أي مجموع من المعتقدات والطقوس القديمة التي سبقت الإسلام في البلاد وبقيت إلى الآن متجذرة في الثقافة الشعبية. وهنا يفرِّق فيسترمارك بين مصدرين لهذه البقايا الوثنية: الوثني العربي الذي أتت به الشعوب الغازية من المشرق، والوثني الأمازيغي الروماني الذي كان متأصلاً في البلاد.

ومنه يخلص إلى أن احتفال عاشوراء بالمغرب تأويل إسلامي لطقوس ذات علاقة بنهاية السنة، أي موتها، فالطقوس المائية والنارية طقوس وقائية تطهيرية، يسود الاعتقاد بدوام مفعولها عاماً بكامله.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
منتِج وثائقي يتهم "BBC" بمحاولة إسكات فريقه بعد رفض بث فيلم عن الأطباء في غزة
سوريا.. اندلاع حريق قرب قصر الشعب في دمشق والدفاع المدني يتدخل
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.. هل يمهّد الطريق لتعافي الاقتصاد المنهك؟
جيش الاحتلال يعترف بمقتل 31 عسكرياً بـ"نيران صديقة" في الحرب البرية على غزة
الاحتلال يواصل استهداف منتظري المساعدات في غزة.. وبوريل: مرتزقة أمريكيون قتلوا 550 فلسطينياً في شهر
روبيو يبحث مع وزير الخارجية السوري مراجعة قوائم الإرهاب ويؤكد استمرار العقوبات على الأسد وأتباعه
تخفيضات بقيمة 4.5 تريليون.. الكونغرس الأمريكي يوافق نهائياً على قانون ترمب للضرائب
الحوثي: تهديدات إسرائيل تزيدنا عزماً على مواصلة الرد حتى وقف الإبادة في غزة
حماس تعلن بحث مقترح وقف إطلاق النار المقدّم من الوسطاء مع الفصائل الفلسطينية
رمز لوحدة البلاد ونهضتها.. الرئاسة السورية تطلق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية
القسام وسرايا القدس تعلنان تنفيذ عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال في غزة
ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 57 ألفاً و130.. وموظفو مساعدات يطلقون النار على الجوعى
بفعل الرسوم الجمركية.. العجز التجاري الأمريكي يرتفع إلى 71.5 مليار دولار في مايو
بوتين لترمب: لن نتخلى عن تحقيق أهدافنا في أوكرانيا وندعو لتسوية نزاعات الشرق الأوسط دبلوماسياً
لبنان.. مقتل شخص وإصابة 3 جراء قصف الاحتلال سيارة جنوبي بيروت
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us