شرع عمّال البناء والمتطوعون الشباب في إزالة الركام من المنازل المثقوبة بالرصاص، ورفع الأشجار الساقطة، وإصلاح خطوط الكهرباء المعطلة، ضمن حملة لإعادة الحياة تدريجياً إلى المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء.
وقال المتطوع مصطفى عوض لوكالة الصحافة الفرنسية: "نحن نعمل على إعادة بناء بنية الدولة التحتية".
العاصمة، التي كانت تحتضن نحو تسعة ملايين نسمة، لم تعد سوى مشهد متعرج من مبانٍ منهارة وأحياء خاوية. أعمدة الكهرباء مائلة أو محطمة في الشوارع، والسيارات المحترقة والمتروكة وقد ذابت إطاراتها في الإسفلت باتت جزءاً من المشهد اليومي.
الخطر ما زال حاضراً داخل المباني الملطخة بالسواد، إذ تعمل السلطات ببطء على إزالة عشرات الآلاف من القنابل غير المنفجرة التي خلّفها القتال. وحذرت الأمم المتحدة هذا الشهر من أن الخرطوم "ملوثة بشكل كبير بالذخائر غير المنفجرة"، مشيرة إلى اكتشاف ألغام أرضية في عدة مناطق بالعاصمة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب في السودان أودت بحياة عشرات الآلاف، وتسببت في نزوح 13 مليون شخص، لتدفع البلاد إلى مواجهة أسوأ أزمة جوع وتشريد في العالم.
وعود حكومية بالتعافي
حتى مارس/آذار الماضي، حين نجح الجيش السوداني في إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة، ظلت الخرطوم ساحة قتال مفتوحة.
وخلال انسحابها، جردت قوات الدعم السريع البنية التحتية بالكامل، إذ نُهبت المعدات الطبية ومضخات المياه وحتى أسلاك النحاس.
وقال منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية لوكا ريندا: "عادةً، في مناطق الحرب ترى دماراً كبيراً... لكن نادراً ما نشهد ما حدث في الخرطوم".
وأضاف: "جرت إزالة جميع الكابلات من المنازل، وتدمير الأنابيب بشكل كامل"، في إشارة إلى نهب منهجي شمل كل شيء من المعدات الصغيرة إلى التجهيزات الكبرى.
اليوم، تبقى أنظمة الكهرباء والمياه من أبرز التحديات. وأوضح محمد البشير، رئيس قسم الكهرباء بشرق الخرطوم، أن العاصمة تعرضت لـ"أضرار هائلة" في محطات التحويل الرئيسية، لافتاً إلى أن "بعض المحطات دُمّرت بالكامل" بعدما استهدفتها قوات الدعم السريع بشكل متعمد عبر تدمير زيوت المحولات وكابلات النحاس.
هذا الانهيار في البنية التحتية انعكس مباشرة على حياة السكان، إذ غرقت مساحات واسعة من الخرطوم في الظلام، بينما أدت أزمة المياه إلى تفشي وباء الكوليرا هذا الصيف، إذ سُجّل ما يصل إلى 1500 إصابة يومياً في يونيو/حزيران، وفق تقارير الأمم المتحدة.
وخلال زيارته الأولى إلى الخرطوم الشهر الماضي، تعهد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس بإطلاق جهود واسعة للتعافي، مؤكداً أن "الخرطوم ستعود عاصمة وطنية فخورة".
وبدأت الحكومة التخطيط لعودتها من عاصمتها المؤقتة بورتسودان التي لجأت إليها بعد اشتداد المعارك في مدينة الخرطوم.
عودة تدريجية للخدمات
أعلنت الحكومة السودانية، الثلاثاء، أن وسط العاصمة الخرطوم -المنطقة التجارية والإدارية التي شهدت أعنف المعارك- سيجري إخلاؤه وإعادة تصميمه بالكامل، في خطوة تعتبر جزءاً من خطط الإعمار.
وتقدّر الأمم المتحدة أن إعادة تأهيل المرافق الأساسية للعاصمة ستتطلب نحو 350 مليون دولار، بينما ستحتاج عملية إعادة البناء الكاملة إلى "سنوات وعدة مليارات من الدولارات"، بحسب ما أكد منسقها الإنساني لوكا ريندا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى الأرض، بدأ مئات العمال والمتطوعين العمل في مشروع طويل وشاق لإعادة البناء، رغم استمرار العقبات.
وقال عامل البناء محمد السر: "واجهنا تحديات مثل نقص المواد الخام، وخاصة أدوات البنية التحتية، ومستلزمات الصرف الصحي والحديد"، لكنه أضاف أن "السوق بدأ يتعافى نسبياً".
في قلب الخرطوم، شوهد عامل يرص الطوب بيديه المغطاة بالطين بجوار مبنى متداعٍ، بينما أعاد آخرون تركيب أنابيب في منزل سكني، ونقل بعضهم ألواح الخرسانة والمعادن الملتوية إلى عربات يدوية. وعلى طريق كان سابقاً خط مواجهة، أصلح رجل عمود إنارة ساقطاً، بينما سحب آخرون شجرة مقتلعة إلى شاحنة.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يعود ما يصل إلى مليوني شخص إلى الخرطوم بحلول نهاية العام، بينما عاد بالفعل عشرات الآلاف رغم الظروف الصعبة.
وقال العائد علي محمد: "بصراحة، هناك تحسن في الظروف المعيشية"، مضيفاً: "هناك مزيد من الاستقرار الآن، والخدمات بدأت تعود تدريجياً، مثل المياه والكهرباء وحتى الرعاية الطبية الأساسية".