العالم
7 دقيقة قراءة
تغطية الحروب والنزاعات.. أزمة الموضوعية والحياد
تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة وتصبح الممارسة الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، بحيث أن الممارسة الإعلامية خلال الحرب تختلف عنها في الظروف العادية.
تغطية الحروب والنزاعات.. أزمة الموضوعية والحياد
مجموعة من المركبات العسكرية المدمرة في أحد الشوارع بضواحي العاصمة كييف.  / AFP
13 أبريل 2022

في وقت تنتشر وتتكاثر فيه الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها وفي مختلف مناطق العالم، وفي ظروف صعبة يسودها التعتيم والتضليل والتشويه والأفكار المسبقة والصور النمطية وصراع الثقافات والحضارات والعنصرية والجهل وثقافة إقصاء الآخر والصراع المحتدم على الصورة والرأي العام، يتساءل الفرد في المجتمع عن مصداقية ما يشاهده ويسمعه ويقرؤه.

أين الحياد والموضوعية والأخلاق في تغطية وسائل الإعلام لما يجري في أوكرانيا وفي أنحاء عديدة من العالم. أين الصدق وأين هو التهويل؟ أين الحقيقة وأين هي الدعاية؟ ما دور الإعلام في مثل هذه الحالات؟ هل تتحول وسائل الإعلام في زمن الحروب والأزمات إلى آلات لإثارة الفتنة والتهويل والتضخيم والتسيّيس والتلاعب بدلاً من تنوير وتثقيف وتوعية الرأي العام بهدف الحوار والنقاش والتفاهم وإطفاء نار الضغينة والحقد والكراهية.

هل صحيح أن منطق الحرب يقوم على أن "الحرب بدون تليفزيون ليست حرب" وهل كان جوبلز على حق عندما قال "كذب ثلاث مرات ففي المرة الثالثة ستصدق كذبتك".

نلاحظ هذه الأيام ظاهرة انتشار التضليل والتعتيم والصور النمطية والتشويه، وانتشار ظاهرة ثقافة الحقد والكراهية والخوف من الآخر والعمل على إقصائه.

فالعالم اليوم يعيش صراع الصورة وصراعاً شرساً على كسب الرأي العام، وهذه الصراعات مع الأسف الشديد تحدث في أحيان كثيرة بتواطؤ غير أخلاقي لوسائل الإعلام مع سلطة المال والسياسة.

فالإعلام العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتعامل بمهنية وحرفية وبأخلاق عالية مع الأزمات المختلفة سواء أمحلية كانت أم إقليمية أم دولية، ومطالب بأن يتحلى بالقيم الإسلامية السمحاء، وبنقل ثقافة الحوار والتسامح إلى الآخر والتفاعل الإيجابي معه.

فالإعلام العربي اليوم مطالب بتقديم صورة الإسلام والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية للآخر في مختلف القضايا المصيرية التي تهم البشرية ودفع جسور التواصل مع شعوب العالم والحوار مع الآخر وحوار الثقافات، فشعوب العالم اليوم في أشد الحاجة إلى الأديان السماوية التي تنادي بالتوحيد واحترام إنسانية البشر جميعاً مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم والتاريخ خير شاهد على ما يحدث من مآسٍ إنسانية حين تتغلب الطلقة على الكلمة ويفرض منطق القوة الغاشمة سطوته على حديث العقل.

اقرأ أيضا

الإطاحة بعمران خان.. هل نفّذ الجيش رغبة واشنطن؟

إقرار أمريكي بمكانة تركيا واحترام سياستها المستقلة

أفغانستان وأزمات ما بعد التحرير

يعيش عالم اليوم صراعات ونزاعات عنيفة وحروب وأزمات عديدة ومختلفة كالإرهاب والأزمة المالية العالمية، أزمات تتسم كلها برهانات وانعكاسات وخيمة جداً تمس الفرد والمجتمع والدولة.

فالأزمات طالت كل المجالات الحياتية وأدت إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الأمم والدول والشعوب وفق عوامل ومعطيات يعجز الأفراد والمؤسسات وحتى الأنظمة على التحكم فيها.

كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة؟ أم تسعى لتقديم حلول لها أم أنها تسّيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟ هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطاً معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل يلجأ القائمون على المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذ قرارات أخلاقية نظراً إلى الرهانات والانعكاسات العديدة التي تتميز بها كل أزمة؟

فمعادلة الإرهاب والإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تطرح مشكلة الوطنية وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على منبر يحقق لهم العلانية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام محلياً ودولياً. أين مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة وهل بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة تعارض؟ وهل بين الحرفية والمهنية من جهة، والبحث عن السبق الصحفي والإثارة والتهويل والتضخيم من جهة أخرى تعارض؟ رهانات وتحديات عديدة تواجهها وسائل الإعلام في مثل هذه الظروف، وما العمل؟ التغطية والتلاعب والبحث عن الإثارة والسبق الصحفي أم المقاطعة؟

من خلال تغطية الحروب نلاحظ أزمة النظرية الإعلامية في تفسير سلوك الصحفيين والمؤسسات الإعلامية. فعلى عكس الظروف العادية والطبيعية، تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة وتصبح الممارسة الإعلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، بحيث أن الممارسة الإعلامية خلال الحرب تختلف عنها في الظروف العادية. وفي الأخير نلاحظ انحياز المؤسسة الإعلامية في تغطيتها إلى موقف الدولة التي تنتمي إليها من الحرب.

يمكن القول أن المنظّرين لممارسة الإعلام في المجتمعات المختلفة وكذلك الدارسين لعلاقة الإعلام بالسلطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية فشلوا فشلاً كبيراً في وضع معايير ومقومات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحفيين أثناء تغطية الحروب والأزمات.

فالنظريات الأربع: نظرية السلطة ونظرية الحرية والنظرية السوفيتية ونظرية المسؤولية الاجتماعية لم تتطرق إلى إشكالية علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في زمن الحرب والأزمات، كما لم تتطرق إلى علاقة الصحفي بالسلطة في هذه الظروف.

وما يمكن قوله في هذا السياق أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر ولا من نظام سياسي إلى آخر وتصبح متشابهة حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية أو الدول الديكتاتورية أو الدول المتقدمة أو الدول النامية أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون. من جهة أخرى نلاحظ أن الممارسة الإعلامية في زمن السلم والظروف العادية تختلف عن زمن الحروب والأزمات خاصة إذا تعلق الأمر بالدول الديمقراطية والتي لها تقاليد في حرية الصحافة.

المُلاحَظ في هذه الأيام وفي ظل الأزمات والصراعات الكبيرة بين مختلف القوى سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول هو أن الخطاب الإعلامي أصبح بعيداً كل البعد عن الرسالة الشريفة للإعلام وعن الحياد والموضوعية والكلمة الحرة والصادقة.

فأصبحت خطابات عديدة متضاربة ومتناقضة وكأنها تتعلق بأزمات مختلفة وليست نفس الأزمة. فاختراق الأخلاق والمهنية والقيم التي تقوم عليها الصحافة الشريفة أصبح من سمات إعلام عصرنا الحاضر، الإعلام الذي فشل في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأعمال الإرهابية بل أسهم ويسهم في التشويه والتضليل والدعاية وبث الحقد والكراهية وثقافة الإقصاء بين الشعوب والأمم. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ما أهداف الإعلام وما رسالته في عالم يحتاج إلى السلم والأمان والتقارب بين الشعوب والحضارات والديانات وليس الحروب والأزمات؟

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

مصدر:TRT عربي
اكتشف
غروسي: تعاون إيران مع الطاقة الذرية التزام قانوني وليس خياراً
الاحتلال يواصل مجازره بحق مجوّعي غزة.. ولازاريني: الأونروا تواجه أزمة وجود
إيران تعتقل 26 شخصاً في خوزستان بتهمة التعاون مع إسرائيل
زعيم إسرائيلي معارض يعلق على قتل المستوطنين ثلاثةَ فلسطينيين بالضفة: مجزرة يهودية عنيفة
مستوطنون يقتلون 3 فلسطينيين ويصيبون 16 واستشهاد طفل في جنين وسط استمرار عمليات الهدم في طولكرم
"القسام" تنشر مشاهد لكمين خان يونس.. والاحتلال يعترف بمقتل 7 جنود وتحقيقاته تكشف عن "خلل خطير"
الحرب في الشرق الأوسط تدفع بكين لإعادة إحياء مشروع "قوة سيبيريا 2" لنقل الغاز الروسي
قمة الناتو.. أردوغان يؤكد في لقائه بزعماء: أولويتنا التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة
عشرات الشهداء بمجازر إسرائيلية جديدة.. و”حكومة غزة”: الاحتلال يقنص المدنيين عند نقاط المساعدات
ترمب يدعي أن اتفاقاً بشأن غزة "بات وشيكاً جداً".. وحماس: الاتصالات بين الوسطاء تكثفت والاحتلال يتلكأ
زهران ممداني.. مسلم اشتراكي ومؤيد لفلسطين يقترب من منصب عمدة نيويورك
كتائب القسام وسرايا القدس تدمران آليات إسرائيلية بخان يونس.. وجيش الاحتلال يقر بمقتل 7 جنود
بعد تقرير الاستخبارات.. ترمب: برنامج إيران النووي عاد عقوداً إلى الوراء بعد تدميره بالكامل
وزيرا دفاع تركيا وهولندا يوقّعان إعلان نيات خلال قمة الناتو في لاهاي
الاحتلال يواصل عمليات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية ويهدم 623 منزلاً بالقدس منذ 7 أكتوبر
ألق نظرة سريعة على TRT Global. شاركونا تعليقاتكم
Contact us