وتؤكد شهادات محلية حصل عليها موقع TRT عربي أن سكان المنطقة يتعرضون لانتهاكات يومية تطال البشر والحجر.
وتحذّر منظمات حقوقية من أن هذه الإجراءات قد تندرج ضمن جرائم الحرب وتهدف إلى فرض تغيير ديموغرافي ممنهج في منطقة تقع ضمن حدود اتفاق فض الاشتباك الموقّع عام 1974 بين سوريا وإسرائيل.
وفي تطور لافت، رفعت قوات الاحتلال مؤخراً العلم الإسرائيلي فوق تل الأحمر الشرقي، أحد التلال الواقعة خارج المنطقة منزوعة السلاح في القنيطرة.
هذا الإجراء ترافق مع فرض قيود مشددة على الطرق المؤدية إلى الموقع، حيث أُغلقت المنافذ الرئيسية بالسواتر الترابية، ما أدى إلى معاناة كبيرة للسكان المحليين الذين اضطروا إلى استخدام طرق بديلة أطول وأكثر وعورة للتنقل بين القرى.
الصحفي نور الحسن، من أبناء القنيطرة، قال لموقع TRT عربي إن الطريق الرئيسي الذي يربط بين بلدات الرشيد والعشة وكودنة قد أُغلق بالكامل، مشيراً إلى أن التلول الحمر باتت بمثابة نقطة عسكرية مغلقة يُمنع الاقتراب منها.
وأضاف أن قوات الاحتلال اعتقلت، خلال الأسبوع الماضي، ثلاثة شبان من بلدة طرنجة الواقعة شمالي المحافظة، ولا تزال مصايرهم مجهولة حتى اللحظة.
الانتهاكات لم تقتصر على رفع الأعلام أو إغلاق الطرق، فبحسب إفادات الأهالي، تُواصِل قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ عمليات توغل شبه يومية داخل القرى، سواء الواقعة في نطاق المنطقة منزوعة السلاح أو خارجها.
ويؤكد نور الحسن أن هذه القوات تفتش منازل في بلدات جبا، ومسحرة، والحميدية، ورويحينا، ومعلقة، في خرق واضح لبنود اتفاق فصل القوات، بما في ذلك بند احترام السيادة وعدم التدخل في شؤون المدنيين.
وتعكس هذه التحركات، بحسَب مراقبين، سياسة إسرائيلية تهدف إلى إعادة ترسيم النفوذ في الجنوب السوري، عبر فرض وقائع ميدانية على الأرض، واختبار مدى تجاوب المجتمع الدولي مع تغييرات خطرة تمسّ استقرار المنطقة.
اعتقالات تعسفية وهدم ممنهج
ينتظر حسن أحمد، من أهالي القنيطرة، والد أحد اليافعين المعتقلين، ابنه صدام البالغ من العمر 17 عاماً ولا يزال يقبع في سجون الاحتلال.
يقول لـTRT: "اعتُقل صدام قبل نحو سنة وثلاثة أشهُر دون أي تهمة، وإلى اليوم لا نعرف مصيره، ثم جرفت القوات الإسرائيلية كرم الزيتون، وبنَت إسطبلاً عسكرياً مكانه، في انتهاك صارخ لحقوقنا ووجودنا".
لم تتوقف الاعتقالات التعسفية عند صدام فقط، بل طالت في الأيام الأخيرة ثلاثة شبان من ريف القنيطرة الشمالي، دون تقديم أي مبرر لاعتقالهم أو معرفة مكان احتجازهم.
يؤكد حسن الأحمد أنه إضافة إلى حملات الاعتقال اليومية هناك اعتقال مؤقت لكثير من الأشخاص يكون لعدة ساعات ثم الإفراج عنهم دون سبب واضح، ماتسبب بترويع المدنيين.
وبحسَب محمد السعيد، المسؤول الإعلامي في الحكومة السورية في القنيطرة، في حديثه لموقع TRT العربي، فإنّ قوات الاحتلال أقامت حواجز طيارة، واعتقلت مدنيين لساعات طويلة قبل إطلاق سراحهم، فيما اقتصرت ردود الفعل على التحركات الدبلوماسية، دون أي خطوات عملية لوقف الخروقات المستمرة.
هدم جماعي في الحميدية وتهجير قسري للسكان
قبل نحو عشرة أيام، فجر يوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران الجاري، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي 15 منزلاً في بلدة الحميدية جنوب القنيطرة ومنزلين في بلدة الرفيد في القطاع الجنوبي، وهو ما يُعَدّ أبرز أحداث التصعيد الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
وفق شهادات الأهالي، ترافق الهدم مع طرد قسري لعائلات تقطن هذه المنازل، وهي العائلات نفسها التي كانت قد هُجّرت سابقاً عقب بناء قاعدة عسكرية إسرائيلية في المنطقة.
محمد العلي، أحد افراد العوائل الـ17 الذين خسروا منازلهم وهُجّروا منذ تاريخ 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، يقول لموقع TRT عربي إنه يقيم حالياً مع زوجته وأطفاله الثلاثة في غرفة واحدة لدى أهله في قرية جباتا الخشب، بعد أن جرى تهجيرهم قسرياً تحت تهديد السلاح إثر دخول القوات الإسرائيلية إلى القرية عقب سقوط نظام الأسد.
يضيف العلي أنه قبل ثلاثة أيام من عملية الهدم طلب أهالي الحميدية إخراج الأثاث والأغراض الشخصية من منازلهم، ليُفاجؤوا لاحقاً بأن المنازل قد هُدمت بالكامل وجُرفت بالأثاث ولم يبقَ أثر لها، فيما بقي بعض المنازل الأخرى مأهولاً.
خسر العلي منزله وحديقه منزله وأشجاراً زرعها بيديه فيها، لم يبقَ منها سوى صور يحتفظ بها في هاتفه المحمول ويتأملها يومياً. يُشير بحسرةٍ إلى أن منزله كان بمساحة 200 متر مربع من طابقين مع أرض مساحتها دونم، وأن معظم أهالي الحي أيضاً خسروا منازلهم وتوزعوا بين من سكن عند الأقارب في الحميدية ومن لجأ إلى قرى مجاورة.
وأضاف أن "عملية الهدم حدثت تحت جنح الظلام، واستمرت منذ التاسعة مساءً حتى الفجر، وشملت منازل مأهولة بأثاثها، بحجة أنها تعوق عمل القاعدة العسكرية، رغم أن السكان مسالمون وغير مسلحين".
وأكد أن أهالي الحميدية اليوم يعانون قيوداً صارمة تشمل منع الدخول والخروج بعد الرابعة مساءً، ومنع الزراعة أو استخدام الطرق الرئيسية.
ممارسات ممنهجة ضد السكان والمزارع
طالت الانتهاكات الإسرائيلية الأراضي الزراعية أيضاً، حيث جرفت خلال الأيام الماضية نحو 300 هكتار من الأشجار في حرش كودنة جنوب القنيطرة، كما بدأت بجرف أجزاء من حراج جباتا الخشب، أحد أكبر الأحراج في الجنوب السوري، وهو ما اعتبره الأهالي محاولة لتغيير المعالم الطبيعية للمنطقة.
ويشير نور الحسن إلى أن "الأشجار المجروفة تتضمن مساحات واسعة من السنديان والصنوبر، ويجري العمل على إزالة المساحات تدريجياً بشكل متقطع لتفادي التوثيق وسط صعوبة التقاط صور للمشهد".
تعيش اليوم بلدة كودنة والقرى المحيطة بها أزمة مياه خانقة، بعد أن تسببت الحفريات والخنادق التي تنفذها القوات الإسرائيلية بقطع منابع المياه، وجفاف الينابيع والآبار السطحية. يقول نور حسن: "كل قرية كانت تعتمد على ينابيع محلية، لكنها اليوم تعاني شحاً غير مسبوق، وسط غياب تام لأي دور للمنظمات الإنسانية والخدمية".
يؤكد أهالي القنيطرة أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي باتت تستهدف أمنهم الغذائي أيضاً، إذ قتلت الفترة الماضية نحو 100 رأس من الأغنام، ومنعت الأهالي من الاقتراب من أراضيهم أو زراعتها، ما يزيد تضييق سبل العيش عليهم.
الخوف من التهجير الكامل
يُشير السكان الذين تحدثوا إلى TRT عربي إلى أن الانتهاكات المتواصلة، بما فيها هدم المنازل، والتوغلات، والتفتيش، والاعتقال، ومنع الزراعة، كلها تشكل سياسة ممنهجة لإجبارهم على الرحيل.
يقول محمد العلي إنّ ما جرى من تدمير للمنازل والبنى التحتية “ليس مجرد انتهاك، بل محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي في القنيطرة”.
ويضيف: “فرحتنا بتحرير الأرض قبل سنوات لم تدُم.. لقد ذُقنا ويلات نظام الأسد، واليوم نذوق الانتهاكات الإسرائيلية”.
ورغم غياب الأفق لأي حل عملي، فإنّ وفداً من وجهاء المنطقة تلقّى وعوداً من الرئيس أحمد الشرع بتحسين الوضع.
أدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان التوغلات العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي جنوب سوريا، وما رافقها من عمليات هدم ممنهجة طالت نحو 15 منزلاً مدنياً، مؤكدة أن ما يجري يُعَدّ انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة السورية، وللقانون الدولي الإنساني.
وفي بيان رسمي، حذّرت الشبكة من أن هذه الانتهاكات تشكّل محاولة لفرض واقع سكاني وأمني جديد بالقوة، بما قد يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك وفقاً لما تنص عليه اتفاقيات جنيف وميثاق روما الأساسي.
ودعت الشبكة إلى موقف دولي واضح يُدين هذه التوغلات، مطالبة بفتح تحقيق عاجل من قِبل قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، إضافة إلى ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لإجبارها على احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي.
وفي السياق ذاته، اعتبر الباحث في الشؤون الدولية مصطفى النعيمي، في تصريح لموقع TRT عربي، أن التصعيد الإسرائيلي في محافظة القنيطرة يأتي نتيجة استغلال تل أبيب لحالة التشكل الأمني بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأشار إلى أن إسرائيل وسّعت عملياتها البرية تحت ذرائع تتعلق بقطع خط الإمداد المعروف إعلامياً بـ"طريق بغداد-بيروت".
لكنه شدد على أن القيادة السورية الجديدة أثبتت التزامها الاتفاقات الدولية الخاصة بمنع استخدام الأراضي السورية نقطة انطلاق لأي تهديد إقليمي، وأنها تتحرك على مستويين لمواجهة التوغلات الإسرائيلية: الأول عبر تنشيط التحالفات العربية والإقليمية لتعزيز الردع الميداني، والثاني عبر مسار دبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة للدفع نحو انسحاب الاحتلال من الأراضي السورية المحتلة.
وأشار النعيمي إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد انسحابات إسرائيلية تدريجية من مناطق التوغل، في ظل قناعة دولية بأهمية استقرار سوريا باعتباره ضرورة لأمن المنطقة.